محطة القطار

اذا مرحلة جديدة تختلف فيها نظرتى لنفسى ونظرتى لمن حولى عائلتى ,اصدقائى ,حتى الوجوه التى اقابلها باستمرار والتى لا يجمعنى بها سوى ذلك الوجه الذى يمتلكوه.

بعد انقضاء هذين العقدين من عمرى اذا نظرت لهما كعدد العقود اجد انهم قليل جدا اما اذا نظرت لهما نظرة كلمة العقد وكيف انها جديدة وكبيرة على ما مررت به فيختلط بذهنى الامر.

انظر الى امى واحسب ذلك الفرق بينى وبينها اجد ان الفرق عظيم ربما الضعفين واسترجع تلك القصص والحكايات التى طالما ترددت على سمعى منها عن تلك السنوات البعيدة فى صغرها والتى لا يجمعنى بها سوى التخيل ومطابقتها لبعض المشاهد التى تعودنا رؤيتها فى حكايات الافلام القديمة ,اجد اننى ما زلت صغيرة وما زال امامى الكثير لاتعلمه والكثير لاقابله.

اذا ولت تلك المرحلة من عمرى والتى تحمل طفولتى ونشأتى وبدء نضوجى .طفولتى وما بها من تعلق ودموع وسخرية ,ما بها من حرية ولا مبالاة ,ما بها من حب فطرى وصداقات مبعثرة ,ما بها من ضوضاء وصرخات عالية ,وما بها من عيون نقية وابتسامات حالمة ثم يبدأ العقل قليلا فى النضوج وتتغير الاولويات شيئا فشيئا , فقد تعودنا جميعا على الجملة المقدسة انها المرحلة الفاصلة والتى سيتحدد بها مستقبلنا , ونقع جميعا فى ذلك الفخ فمستقبلنا محدد قبل حتى ان نتعلم كيف نتحكم فى القلم ,ولكن لابد وان نمر بتلك الفترة الطويلة حتى تنتهى علاقتنا بالفصل والسبورة والفسحة ورئيس الفصل وكل تلك التفاصيل .

ثم تنطلق اقدامنا الى تلك الحياة الجديدة الحالمة ,منا من انطلقت اقدامه فى مسيرة احلامه ومنا من لم يلحق القطار الاول فى تلك المسيرة ومنا من لم يحدد احلامه وترك الامر كله وسار هائما على وجهه بعيدا جدا عن محطة القطار.

تمر بنا الايام مسرعة حتى نصطدم بذلك الجدار , ما هذا التاريخ ! لقد اكملت حقا عقدى الثانى ....لقد انتظرت كثيرا ذلك اليوم ,لم اكن اعلم انه سياتى دون ان اشعر به هكذا ,افيق على ذلك السؤال , اما بعد ؟
اتذكر اننى لم الحق بقطارى الاول حقا لا اعلم ان كان ذلك الاخر سيوصلنى الى محطتى التالية ام سيلقى بى فى وسط الطريق....

ابعتد بحديثى عن القطار قليلا واعود به الى تلك السنوات القليلة الاخيرة وكيف انها تختلف جملة وتفصيلا عن سابقتها اجمع ,بمقارنتهما مقارنة سريعة اجد هناك من اخذهم الموت ,وهناك من اخذهم المرض , وهناك من اخذتهم الغربة , واخرين اخذهم الحب ,واخرين اخذتهم انفسهم بالطمع والغرور , واخرى اخذهم اليأس وهناك من اخذهم الفكر , ومن اخذتهم احلامهم ..........

حقا لا اجد مشكلة فى كل هذا فتلك هى الحياة ولكن ما يدعونى للحديث هو ذلك التوقيت المثالى لكل هذا ان ياتى دفعة واحدة .......اكاد ادعى ان تلك الاخرى ليست مشكلة فأيضا تلك هى الحياة , اذا اين العقدة ؟
ما فاجأنى حقا ودعانى للتفكير هو ذلك الاثر القوى لتلك الاحاسيس وما يتركه من علامات بداخلنا نعلم بوجودها ولكن لا نستطيع ان نعثر عليها فنخرجها ونتخلص منها .

من البديهى ان تلك الامور كانت تحدث حولنا فى صغرنا ولكن لم نكن نشعر بها ,فكيف كانت تمر بجانبنا ولا حتى نراها ؟
اشعر ان من رحمة الله سبحانه وتعالى ان جعل حياتنا مقسمة الى تلك الفترات ربما ذلك لحكمة ما,
لكن لم تعد الامور تسير على الوجه الامثل لها لا, حقا لم تعد ذلك على الاطلاق ....
كيف لنا فى هذا السن ان نشعر بكل ذلك العجز والالم واليأس والخوف وقلة الحيلة ؟كيف لنا ان نرى المستقبل مظلما لتلك الدرجة حتى اننى اخطأت حين قلت نرى ......

اعود الى امى وابى رحمه الله مثلهم كمثل الكثيرين ,كيف انهم استطاعوا ان يكونوا بكل تلك القوة فى ذلك الزمن بما فيه من امكانيات اقل ورفاهية شبه معدومة وصعوبات لا تنتهى , كيف استطاعوا ان يكملوا ويقاوموا حتى اصبحنا فى غير ذلك الزمن

هل نحن اضعف ؟ هل نحن اكثر يأسا ؟هل نحن اقل ايمانا ؟هل كبرنا فجأة ولم تعد الامور كسابق عهدها بسيطة وبريئة فتخبطنا بصعوبة الحياة واصابتنا الحيرة ؟
ظاهريا لدينا امكانيات اكثر ,رفاهية ليس لها حدود ,لدينا من العلم ووسائل المعرفة والتنوير ما لا ينتهى ,ولكن ايضا احزاننا لا تنتهى ........

فى بعض الوقت اشعر ان قيمة الاشياء لم تعد كما كانت وبالتالى الفرحة بالاشياء لم تعد كما كانت ,كيف مع كل هذا التدين والايمان حولنا انتزعت البركة عن ايامنا ؟
الان اشعر بالسعادة عندما ارى اننا تقريبا اخر من عاش الطفولة الحقيقية بكل ما فيها واننا اكثر حظا فى ذلك ممن تبعونا !!!!!!!
حقا لابد ان اشعر بالسعادة ,اننا محظوظون لقد احسسنا باليأس والشيخوخة مبكرا ولكن ليس مبكرا جدا ,فابناء اليوم والامس القريب يشعرون بها مع السنوات الاولى من اعمارهم ,بل هناك من يشعر بها منذ صرخاته الاولى وكيف له عكس ذلك وهو وليد الطرقات ....

اذا هل نحن فعلا اضعف ؟ام احببنا الشكوى بل وادمناها ؟ام حقا ليس لدينا الكثير لنسعد به؟
انظر الان وانا على مقربة من الانتهاء من دراستى الجامعية الى طفولتى وكيف انها تستحق ان اعتز واتمسك بها فربما ستكون معينا لى على ذلك المستقبل المبهم والمخيف , وادعو الله ان يطمئن قلوبنا ويرزقنا الايمان والصبر والخير الكثير.