اضطراب القيم واهتزاز المفاهيم
بقلم / د/ مجدى قراميط
سأسعى قدر استطاعتى أن أكتب تحت هذا العنوان مدة طويلة أعالج فيها بعض المشكلات التى تواجهنا فى هذا الزمان حتى أشبع رغبة القراء الذين طلبوا منى ذلك ، وأطرق من خلاله سلسلة من المقالات الحيوية التى تمس جوهر مجتمعنا إن شاء الله .
- واستكمالاً لاضطراب القيم واهتزاز المفاهيم أقول عشت زمناً جميلاً عاشرت فيه كثيراً من أصحاب القيم والمبادىء ممن نطلق عليهم فى عصرنا " الكلاسيكيين " وأحياناً نسميهم بالرجعيين ، وهم ليسوا كذلك ، حيث كنت أرى الصغير لايتعدى على الكبير ، ولا يتخطاه فى المشى ، ولا يقاطعه فى الكلام ، ولا يسبقه فى السير ، ولا يضع أمامه رجلاً على أخرى ، وإذا ألقى هذا الصغير السلام على الكبير بادره بالرد الجميل والتحية الطيبة وكأنه يتمثل فى نفسه قوله تعالى : " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها "
فهذا المسلم بفطرته الطيبة التى فطر عليها يرد السلام كاملاً عملاً بحديث النبى – صلى الله عليه وسلم – " ألا أدلكم على شىء إن فعلتموه تحاببتم قالوا بلى يارسول الله : قال : أفشوا السلام بينكم "
فما أجمل هذه الفطرة التى قال الله عنها : " فطرة الله التى فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون " الروم آية 30
فبالأمس القريب بينما أسير فى الطريق وجدت رجلاً مسناً فألقيت عليه السلام دون سابق معرفة ، وعلى الفور رد على السلام بقوله : " وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلاً وسهلاً ياولدى " قلت سبحان الله فعلاً إن هذا الرجل من الرعيل الأول ، والجيل القديم الذى يحافظ على عاداته وتقاليده الطيبة المباركة التى تتناسب مع ديننا الحنيف ، وكأنه والد عزيز أو جد كبير يريد أن يرسخ مبدأ الأخلاق والمعاملة الحسنة فى المجتمع .
ولا شك أن هناك من الشباب ومن الرجال ومن الناس من يحذو حذوه ، ولكنهم قلة قليلة فى عصرنا لاتذكر بالموازنة بين جيل الماضى والحاضر .
وفى ضوء حديثنا عن اضطراب القيم واهتزاز المفاهيم أقول : ما أجمل أن يفرح الإنسان ! وما أحسن أن يفرح من حوله من أقاربه ومعارفه وجيرانه ! ولكن يجب ألا تضر هذه الفرحة بالآخرين .
فهذه سيارة عروسين تمشى فى الطريق العام تسد الطريق سداً ، وتمنع الناس من الطريق منعاً ، وتحجب الرؤية عن بقية السيارات حجباً ، لاأحد يتقدم عليها ، ولا تسمح لأحد أن يتعداها أو يتخطاها ليحظى العروسين بالفرحة لأن الطريق لو كان مفتوحاً للمارة ، وسار الناس فى المكان فلربما كان الأمر غير عادى أو غير طبيعى ، فإن الفرحة الحقيقية لاتتم إلا بإعاقة المارة ، وننسى القاعدة الفقهية الشرعية التى تقول : " لا ضرر ولا ضرار " أى لاضرر لنفسك ولا ضرار لغيرك .
وهذا بطبيعته ليس هو تصرف العروسين ، إنما هو تصرف من حولهما من المدعوين للمجاملة ونسوا أن كثيرا من الناس أصحاب أعذار إما مرضى ، وإما موتى ، وإما طلاب يريدون تحصيل العلم أو غير ذلك ممن يتألمون ، وربما يكون هناك مريض يحمله الإسعاف إلى المستشفى لينقذ حياته ، ولكننا نأبى أن يبرأ من مرضه أو أن يسعفه الأطباء ، أو ربما يكون هناك حريق مشتعل تأتى المطافىء لتخمده فلا تجد مكاناً للوصول إليه بسبب الازدحام الشديد الذى حول العروسين من الموتسيكلات التى تلتف حول العروسين بصورة منفرة ومقززة ولربما _ كما رأيت – أن هذه الموتسيكلات تتسارع وتتبارى فى المجاملات فتدور حول بعضها وتخرج أتربة وعوادم تكفى أن تقتل بلداً بأكمله ، ونار كلما أخمدت اشتعلت ، وأنت تنفخ فى رماد ، وربما مات واحد من هؤلاء فتدخل فى معمعة الثأر والضرب والقتل وعلينا أن نتحمل تلك المآسى ، وهذا التلوث البيئى ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا بالله ، سألت الله – عز وجل – أن يرد الناس إلى الحق والعدل ، وإلى طريقه المستقيم .