الياهو بن شاؤول كوهين يهودي من اصل سوري حلبي، ولد بالإسكندرية التى هاجر اليها احد اجداده سنة 1924. وفي عام 1944 انضم ايلي كوهين الى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية وبدا متحمسا للسياسة الصهيونية وسياستها العدوانية على البلاد العربية، وفي سنة وبعد حرب 1948 اخذ يدعو مع غيره من اعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين الى فلسطين وبالفعل في عام 1949 هاجر أبواه وثلاثة من أشقاءه إلي إسرائيل بينما تخلف هو في الإسكندرية .وقبل ان يهاجر الى اسرائيل عمل تحت قيادة (إبراهام دار) وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء، واتخذ الجاسوس اسم( جون دارلينج) وشكل شبكة للمخابرات الإسرائيلية بمصر نفذت سلسلة من التفجيرات ببعض المنشأت الأمريكية في القاهرة والإسكندرية بهدف افساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية و في عام 1954 تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة (لافون)، وبعد انتهاء عمليات التحقيق كان أيلي كوهين قد تمكن من إقناع المحققين ببراءة صفحته إلي أن خرج من مصر عام 1955 حيث التحق هناك بالوحدة رقم 131 بجهاز أمان لمخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي ثم أعيد إلي مصر ولكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية التي لم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء العدوان الثلاثي ضد مصر في أكتوبر 1956.
وبعد الإفراج عنه هاجر إلي إسرائيل عام 1957, حيث استقر به المقام محاسبا في بعض الشركات, وانقطعت صلته مع "أمان" لفترة من الوقت, ولكنها استؤنفت عندما طرد من عمله وعمل لفترة كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل مغربي عام 1959.
.
وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في ايلي كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر, ولكن الخطة ما لبثت أن عدلت, ورأي أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق. وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد, ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه علي التكلم باللهجة السورية, لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في
الإسكندرية.
ورتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقه يبدو بها مسلما يحمل اسم (كامل أمين ثابت) هاجر وعائلته الى لاسكندرية ثم سافر عمه الى الارجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفى والده في الارجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة اشهر وبقى كامل وحده هناك يعمل في تجارة
الأقمشة.
وتم تدريبه على كيفية استخدام اجهزة الارسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل اخبار سوريا ويحفظ اسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. مع تعليمه اصول الايات القرآنية وتعاليم الدين الإسلامي.
وفي 3 فبراير 1961 غادر ايلي كوهين إسرائيل إلي زيوريخ, ومنها حجز تذكرة سفر إلي العاصمة التشيلية سنتياجو باسم كامل أمين ثابت, ولكنه تخلف في بيونس ايرس حيث كانت هناك تسهيلات معدة سلفا لكي يدخل الأرجنتين بدون تدقيق في شخصيته الجديدة.
وفي الارجنتين استقبله عميل اسرائيلي يحمل اسم( ابراهام) حيث نصحه بتعلم اللغة الاسبانية حتى لا يفتضح امره وبالفعل تعلم كوهين اللغة الاسبانية وكان ابراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب ان يعرفه لكي ينجح في مهمته. وبمساعدة بعض العملاء تم تعيين كوهين في شركة للنقل وظل كوهين لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح فكون لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك, واكتسب وضعا متميزا لدي الجالية العربية في الأرجنتين, باعتباره قوميا سوريا شديد الحماس لوطنه وأصبح شخصية مرموقة في كل
ندوات العرب واحتفالاتهم، وسهل له ذلك إقامة صداقات وطيدة مع الدبلوماسيين السوريين وبالذات مع الملحق العسكري بالسفارة السورية, العقيد أمين الحافظ.
وخلال المآدب الفاخرة التي اعتاد كوهين أو كامل أمين ثابت إقامتها في كل مناسبة وغير مناسبة, ليكون الدبلوماسيون السوريون علي رأس الضيوف, لم يكن يخفي حنينه إلي الوطن الحبيب, ورغبته في زيارة دمشق لذلك لم يكن غريبا ان يرحل اليها بعد ان وصلته الاشارة من المخابرات الاسرائيلية ووصل اليها بالفعل في يناير 1962 حاملا معه الآت دقيقية للتجسس, ومزودا بعدد غير قليل من التوصيات الرسمية وغير الرسمية لأكبر عدد من الشخصيات المهمة في سوريا, مع الإشادة بنوع خاص إلي الروح الوطنية العالية التي يتميز بها, والتي تستحق أن يكون محل ترحيب واهتمام من المسئولين في سوريا. وبالطبع, لم يفت كوهين أن يمر علي تل أبيب قبل وصوله إلي دمشق, ولكن ذلك تطلب منه القيام بدورة واسعة بين عواصم أوروبا قبل أن ينزل في مطار دمشق وسط
هالة من الترحيب والاحتفال. و أعلن الجاسوس انه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعيا الحب لوطن لم ينتمي اليه يوما. ايلي كوهين وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق, تلقت أجهزة الاستقبال في أمان أولي رسائله التجسسية التي لم تنقطع علي مدي ما يقرب من ثلاث سنوات, بمعدل رسالتين
علي الأقل كل أسبوع. وفي الشهور الأولي تمكن كوهين أو كامل من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة مع ضباط الجيش و المسئولين الحربيين.وكان من الأمور المعتادة أن يقوم بزيارة أصدقائه في مقار عملهم, ولم يكن مستهجنا أن يتحدثوا معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل, وأن يجيبوا بدقة علي أي سؤال فني يتعلق بطائرات الميج أو السوخوي, أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفيتي أو الفرق بين الدبابة تي ـ52 وتي ـ54... الخ من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس. وبالطبع كانت هذه لمعلومات تصل أولا بأول إلي إسرائيل, ومعها قوائم بأسماء و تحركات الضباط السوريين بين مختلف المواقع والوحدات. وفي سبتمبر1962 صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان.. وقد تمكن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة التصوير الدقيقة المثبتة في ساعة يده, وهي احدي ثمار التعاون الوثيق بين المخابرات الإسرائيلية والأمريكية. ومع أن صور هذه المواقع سبق أن تزودت بها إسرائيل عن طريق وسائل الاستطلاع الجوي الأمريكية, إلا أن مطابقتها علي رسائل كوهين كانت لها أهمية خاصة سواء من حيث تأكيد صحتها, أو من حيث الثقة في مدي قدرات الجاسوس الإسرائيلي. وفي عام 1964, عقب ضم جهاز أمان إلي الموساد, زود كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة, وفي تقرير آخر أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز تي ـ54, وأماكن توزيعها, وكذلك
تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب. وازداد نجاح ايلي كوهين خاصة مع بإغداقه الأموال على حزب البعث وتجمعت حوله السلطه واقترب من ان يرشح رئيسا للحزب او للوزراء!.
وهناك اكثر من رواية حول سقوط ايلي كوهين نجم المجتمع السوري لكن الرواية الأصح هي تلك التى يذكرها رفعت الجمال الجاسوس المصري الشهير بنفسه.. <(... شاهدته مره في سهرة عائلية حضرها مسئولون في الموساد وعرفوني به انه رجل اعمال اسرائيلي في امريكا ويغدق على اسرائيل بالتبرعات المالية.. ولم يكن هناك اى مجال للشك في الصديق اليهودي الغني، وكنت على علاقة صداقة مع طبيبة شابه من اصل مغربي اسمها (ليلى) وفي زيارة لها بمنزلها شاهدت صورة صديقنا اليهودي الغني مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها من هذا؟ قالت انه ايلي كوهين زوج شقيقتي ناديا وهو باحث في وزارة الدفاع وموفد للعمل في بعض السفارات الإسرائيلية في الخارج، .. لم تغب المعلومة عن ذهني كما انها لم تكن على قدر كبير من الأهمية العاجلة، وفي أكتوبر عام 1964 كنت في رحلة عمل للاتفاق على افواج سياحية في روما وفق تعلمات المخابرات المصرية وفي الشركة السياحية وجدت بعض المجلات والصحف ووقعت عيناي على صورة ايلي كوهين فقرأت المكتوب أسفل الصورة، (الفريق اول على عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين في سوريا والعضو القيادي لحزب البعث العربي الإشتراكي كامل امين ثابت) وكان كامل هذا هو ايلي كوهين الذي سهرت معه في اسرائيل وتجمعت الخيوط في عقلي فحصلت على نسخة من هذه الجريدة اللبنانية من محل بيع الصحف بالفندق وفي المساء التقيت مع (قلب الأسد) محمد نسيم رجل المهام الصعبة في المخابرات المصرية وسألته هل يسمح لي ان اعمل خارج نطاق إسرائيل؟
فنظر لي بعيون ثاقبة..
- ماذا ؟
- قلت: خارج اسرائيل.
- قال: اوضح.
- قلت: كامل امين ثابت احد قيادات حزب البعث السوري هو ايلي كوهين الاسرائيلي مزروع في سوريا واخشى ان يتولى هناك منصبا كبيرا.
- قال: ما هي ادلتك؟
- قلت: هذه الصورة ولقائي معه في تل ابيب ثم ان صديقة لي اعترفت انه يعمل في جيش الدفاع.
ابتسم قلب الأسد واوهمني انه يعرف هذه المعلومة فأصبت بإحباط شديد ثم اقترب من
النافذة وعاد فجأة واقترب مني وقال..
- لو صدقت توقعاتك يا رفعت لسجلنا هذا بإسمك ضمن الأعمال النادرة في ملفات
المخابرات المصرية....)>
وعقب هذا اللقاء طار رجال المخابرات المصرية شرقا وغربا للتأكد من المعلومة وفي مكتب مدير المخابرات في ذلك الوقت السيد صلاح نصر تجمعت الحقائق وقابل مدير المخابرات الرئيس جمال عبد الناصر ثم طار في نفس الليلة بطائرة خاصة الى دمشق حاملا ملفا ضخما وخاصا الى الرئيس السوري أمين حافظ. وتم القبض على ايلي كوهين وسط دهشة الجميع واعدم هناك شنقا في 18 ماي 1965
( الاعـــــــدام )
قبل منتصف الليل بدقائق شعر أن نهايته اقتربت.. سمع خطوات أحذية الجنود الثقيلة تهز «الطرقة» المظلمة المؤدية الى زنزانته.. أعقبها صرير المفاتيح في البوابة الحديدية.. وعلى الضوء الباهت رأى فرقة الإعدام أمامه.. فهب واقفا دون أن ينطق بكلمة واحدة.. قال له رئيس المحكمة العسكرية:
بعد قليل سينفذ فيك حكم الإعدام شنقا حتى الموت.. ارتد ملابسك .. ثم تراجع الى الخلف قليلا ليفسح الطريق الى حاخام دمشق العجوز بظهره المنحني ولحيته البيضاء وصوته المخنوق كي يبدأ صلاته.
خرج موكب إعدام الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في سجن المزة في حراسة مشددة الى قلب دمشق.. حيث يقف عمود الشنق منذ سنوات طويلة.. ليتسلمه جلاد سوريا.. أبو سليم الذي كان في انتظاره.. وبعد 90 ثانية جرى كل شئ.. كسرت رقبته.. وتدلى رأسه على صدره.. وصعدت روحه الى السماء.. كان ذلك في الساعة الثالثة والنصف وخمس دقائق من صباح يوم 18 مايو 1965.
بعد نصف دقيقة تقدم رئيس المحكمة العسكرية ليعلق على الكيس الأبيض الذي غطى جسم الجاسوس الإسرائيلي ورقة بيضاء كبيرة كتب عليها بحروف بارزة منطوق الحكم: إلياهو بن شاؤل كوهين حكم عليه بالإعدام باسم الشعب العربي السوري بتهمة الدخول الى المناطق العسكرية المغلقة وتسليم العدو أسرارا عسكرية .
. وبعد نحو أربعين سنة على ذلك المشهد وبالتحديد منذ عدة أيام قريبة مضت.. تقدمت إسرائيل بالطلب رقم خمسمئة لتسليم رفاته.. لكن.. للمرة الخمسمئة أيضا رفض الطلب.
إن قصة إيلي كوهين.. هي واحدة من أغرب قصص الجاسوسية وأكثرها إثارة.. فقد نجح ذلك الرجل الذي ولد في مصر وعاش فيها حتى سن الثانية والثلاثين في أن يخترق السلطة الحاكمة في سوريا.. ويكون واحدا من رجالها.. بما في ذلك رئيس الجمهورية في منتصف الستينيات الجنرال أمين الحافظ.. إنه رأفت الهجان على الطريقة الإسرائيلية.. لكن.. مع فارق واحد.. أن رأفت الهجان لم يكشف.. وبقي حتى دفن في مصر نموذجا للعمل السري المثالي.
لقد عاش إيلي كوهين في الاسكندرية وتعلم في مدارسها وجامعاتها في وقت كان فيه اليهود يعيشون بيننا في أمان ويصل عددهم الى 300 ألف نسمة ويسيطرون على أنشطة تجارية مختلفة.. وكان من الممكن أن يبقوا كذلك لولا أنهم راحوا يعملون سرا لصالح اسرائيل.. جمعوا التبرعات من أجلها.. ونظموا عملية الهجرة اليها.. ولم يترددوا في القيام بعمليات التخريب السياسية ضد بريطانيا أحيانا.. مثل عملية اغتيال اللورد موين في عام 1944.. وضد مصر أحيانا.. مثل عملية لافون في عام 1954.
اعتقل إيلي كوهين أكثر من مرة.. لكنه استطاع النجاة.. وقد أصر على البقاء في مصر رغم ما يتعرض له من متاعب حتى ينهي مهمته المكلف بها.. وهي تهريب ما تبقى من اليهود المصريين الى اسرائيل عبر عواصم أوروبية مختلفة.. وفي نهاية عام 1956 ترك مصر بالطريقة نفسها.. الحصول على جوازات سفر غربية.. والرشوة المالية والجنسية.
في إسرائيل عمل مترجما في أرشيف الجرائد بوزارة الدفاع.. فقد كان يجيد الفرنسية والعربية والعبرية والإنجليزية.. لكنه.. كان يشعر بأنه يضيع وقته في مثل هذا العمل.. ويتحرق شوقا للعمل السري..
وعرض مواهبه على رؤسائه.. وبعد طول صبر استجابوا.. ووضعوه بين يدي ضابط تدريب محترف يسمونه الدرويش.. أجرى له الفحوص الطبية والنفسية والبدنية والعصبية.. وكانت النتائج لصالحه.. ثم نزل به الى ميدان التجربة.. وتقمص شخصية سائح فرنسي من أصل مصري اسمه مارسيل كوان..
ووضع تحت المراقبة كي يعرفوا كيف سيتصرف؟.. ونجح في كل الاختبارات.. واقتنعت المخابرات الإسرائيلية بأن من الممكن زرعه في أي عاصمة عربية بدون شخصية سائح بل بشخصية مواطن عربي.. فمظهره الخارجي يدل على ذلك ولهجته العربية صحيحفي خريف عام 1960 بدأ الدرويش في تجهيزه واعداد هويته الجديدة.. أرسله الى الشيخ محمد سلمان في الناصرة بصفته طالبا في الجامعة العبرية يجري بحثا عن الإسلام.. كان قد تعلم الصلوات الخمس.. وحفظ بعض آيات القرآن.. وحمل معه مصحفا بصورة دائمة.. واختير له اسما جديدا هو كمال ثابت أمين.. ابن إحدى العائلات السورية المهاجرة الى الأرجنتين والذي يرغب في العودة الى وطنه الأم.
بعد سنة تقريبا هبط إيلي كوهين باسمه الجديد الى بيونس أيرس بعد أن توقف عدة أيام في زيورخ والتقى بمدير محطة الموساد هناك الذي أسس له مكتبا للاستيراد والتصدير يضاعف من تخفيه.. وأعطاه قائمة بأسماء عرب في الأرجنتين وعنوان نادي الإسلام.. حيث يلتقي المهاجرون الشرقيون فيه.. كانت مهمته في بيونس أيرس أن يحصل على رسائل توصية من السوريين هناك تساعده عند سفره الى دمشق.
في نادي الإسلام تعرف على عبداللطيف الخشن محرر مجلة أسبوعية اسمها العالم العربي وقوى صلته به حتى وعده برسائل التوصية التي يريدها إذا ما قرر العودة الى سوريا.. وفي يوم من الأيام قابل الجنرال أمين الحافظ الذي كان ملحقا عسكريا في السفارة السورية..
وفي هذه المقابلة بدا متحمسا لحزب البعث باعتباره الحزب الوحيد الذي سيعيد أمجاد بلاده.. وفي تلك المقابلة لم يعرف أمين الحافظ أنه فيما بعد سيجد نفسه رئيسا للجمهورية وسيجد بالقرب منه أخطر جاسوس إسرائيلي زرعته الموساد.
بعد ستة شهور حصل إيلي كوهين على تأشيرة دخول سوريا ومصر ولبنان دون مشاكل.. وخلال تلك الفترة التي قضاها في المهجر كان يرسل برسائله الى زوجته ناديا عبر محطة الموساد في زيورخ التي عاد اليها في طريقه الى اسرائيل قبل أن تبدأ مهمته الحقيقية في سوريا.. وفي اسرائيل دربوه على الأعمال الخفية.
. وطرق القتل العنيفة.. وكيفية إرسال واستقبال الرسائل بالشفرة.. وحمل معه خلاطا كهربائيا كان في قاعدته جهاز الإرسال.. وسافر الى ميونخ هذه المرة ومنها الى بيروت على ظهر السفينة ستوريا وكانت معه قائمة بأسماء ركابها.. ومنهم الشيخ مجد الأرض.. وهو من العائلات العريقة في دمشق.. وقد تعرف عليه.. وأقنعه بدخوله سوريا بسيارته البيجو الجديدة التي كانت معه في مخزن السفينة بعد أن أصبحا صديقين خلال الرحلة.
بسهولة شديدة دخل سوريا من الحدود اللبنانية البرية بعد يوم قضاه في بيروت هو والشيخ مجد الأرض الذي كان مولعا بالسهر وحياة الليل.. كان يوم 10 يناير 1962 هو يومه الأول في دمشق..
وعلى الفور راح يبحث عن شقة تكون قريبة من مقر قيادة الأركان السورية لتكون سكنا ومقرا لشركته التي ستصدر المنتجات السورية الى أوروبا والمهجر.. ونجح في الحصول عليها في حي أبي رومانة.. حيث القيادة.. والبنوك.. والسفارات الأجنبية ومن بينها السفارة الهندية.
تعرف إيلي كوهين بسرعة مذهلة على عدد من الشخصيات السورية المهمة.. ضابط في الجيش اسمه معز زهر الدين.. عمه كان رئيس الأركان عبدالكريم زهر الدين.. وقد ساعده على زيارة المناطق العسكرية المغلقة بدعوة رغبته في رؤية العدو الصهيوني.. وجورج سيف وهو من كبار موظفي وزارة الإعلام ومسئول عن الإذاعة والتليفزيون..
وهو ما أتاح له دخول الاحتفالات والمؤتمرات دون عوائق.. وهو أيضا الذي أعاد الجسور بينه وبين أمين الحافظ بعد عودته من الأرجنتين.. لكن.. شيئا ما فتح أمامه الباب ليدخل منه كل ما لم يتخيل من الشخصيات السورية المهمة.. لقد طلب منه جورج سيف أن ينظم حفلات خاصة حمراء يحضرها الكولونيل سليم حاطوم مع بعض الفتيات..
وسرعان ما أصبحت مثل هذه السهرات اعتيادية كل أسبوعين على الأقل.. ومع الخمر والنساء والموسيقى كانت الملابس تخلع.. والقيود تكسر.. والأسرار تعلن دون حذر.. بما في ذلك أسرار ما يجري من صراعات على السلطة.. وكان ذلك يصل الى إسرائيل أولا بأول..
بواسطة جهاز الإرسال غالبا.. وبواسطة التقارير المباشرة أحيانا.. فقد سافر الى زيورخ ومنها الى تل أبيب أكثر من مرة.. بدعوى الترويج للمصنوعات السورية في أوروبا.
في 8 مارس 1963 وقع إنقلاب عسكري بقيادة زياد الحريري وتولي أمين الحافظ وزارة الداخلية وأصبح مسئولا عن المخابرات الداخلية.. وفيما بعد برق نجمه وعين رئيسا لمجلس الرئاسة السورية.. وهكذا.. جرف التيار إيلي كوهين الى صفوف كبار المسئولين في سوريا.. ومنهم الكولونيل صلاح ظلي الذي انضم لشلة السهرات.. والذي قدر له أن يكون رئيسا للمحكمة العسكرية التي حاكمت إيلي كوهين بعد كشفه.
هناك أكثر من رواية لكشفه.. الأولى أن المصريين تعرفوا عليه من صورة نشرت له.. وعرفوا من ملفاتهم القديمة إنه إيلي كوهين.. والثانية هي الأكثر شيوعا فتؤكد أن القبض عليه جرى بعد أن اشتكت السفارة الهندية القريبة من بيته من التشويش على إرسالها.. فطلبت المخابرات السورية من السوفييت أن يبيعوا لها جهازاً خاصاً يتعقب التشويش..
وبعد وصول الجهاز جرى إطفاء النور عن الحي فلم تبق سوى الإشارات التي يرسلها جهاز إيلي كوهين وكان لحسن الحظ يعمل بالبطارية وليس بالكهرباء.. وصعدت مجموعة القبض عليه برئاسة الكولونيل أحمد سويداني لتضبطه متلبسا وهو يرسل تقريره بعد حفل صاخب كان فيه بعض المسئولين.. وبجوار جهاز الإرسال كان التقرير المكتوب بخط يده كما هو.
كان ذلك في الساعة الثامنة من صباح يوم الخميس 8 يناير عام 1965.. لتنتهي القصة بإعدامه.. ولكن.. لايزال الفصل الأخير فيها مفتوحا.. وهو الحصول على رفاته.