هل جربت يوما أن تأكل ببطء قطعة من الشيكولاتة أو آيس كريم ووجهك مبتسم وعضلات جسمك مسترخية، وشعرت بعدها بقدر جميل من الرضا والسعادة وبأن حيويتك تضاعفت ولديك قدر هائل من الرغبة لتفعل ما يفيدك ويسعدك، وبالتصالح مع الحياة وبالرغبة الصادقة لتفوز بأفضل تعامل ممكن مع الكم الرهيب من الغباوات التي تحاصرنا جميعا..
هذا ما أقصده بكلمة "استمتع"..
استمتع وإلا!!
وأعني أن نخصص جميعا وقتا يوميا ولنبدأ ولو بدقيقة واحدة نكررها عدة مرات يوميا، بأن نغمض أعيننا بهدوء شديد ونبتسم -وبالطبع نكون وحدنا- ونتذكر شيئا لطيفا فعلناه جيدا في هذا اليوم ونجحنا فيه، ورغبنا في أدائه بصورة تجعلنا نشعر بالرضا عن النفس..
مثلا.. قمت بمنع نفسك من ضرب إنسان سخيف أو الرد عليه بعنف، وصدقني أنت الرابح فديننا يخبرنا عن الثواب الرائع للتحكم في النفس عند الغضب فالآية الكريمة: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
ودنيويا قمت بادخار طاقتك وبعض من وقتك -وهو جزء غالٍ من حياتك- لما هو أفضل، وقد يتبادر إلى ذهنك هنا أنك ستستفيد في هذا الوقت في عمل يجلب لك المال أو الشهرة أو المزيد من العلاقات المفيدة والحقيقة أنني أرى أن الاستفادة أوسع من ذلك، فحتى إذا قمت بادّخار طاقتك للاسترخاء ومشاهدة عمل كوميدي ممتع أو قمت بالتمشية وأنت تستمع لأغنيتك المفضلة، أو حتى أخذت حماما مطولا، أو قمت بالاتصال بأحد الأقارب لم تقُم بالحديث معه منذ فترة، أو سألت على مريض -بحب واهتمام- وليس بأسلوب التيك أواي أو التوقيع والانصراف..
فهذا استثمار جيد لحياتك على المدى البعيد، فالحياة ليست كلها أعمالا ونقودا ومناصب..
فقد عايشت بنفسي كثيرا من الناجحين الذين لم يستمتعوا بنجاحهم وكانوا تعساء، وخسروا الكثير والكثير، فلا تنضم إليهم أبدا واستمتع بنجاحك دائما..
مفاجآت ولكن!!
وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن النجاح..
فمن هو الإنسان الناجح؟؟
لعل أبسط تعريف للنجاح هو أن نتذكر أننا في رحلة وأنها ستنتهي فجأة، ودون معرفتنا بهذا الموعد، وأن علينا الاستفادة بكل قدراتنا وتنميتها بدأب وطمأنينة وبالاستماع الذكي برغبتنا في النجاح في كل مراحل هذه الرحلة والانتصار على كل معوقاته.
وبإمكان كل إنسان أن يكون ذكيا فيضاعف قدراته بالابتسام دائما أثناء الرحلة، وخاصة وهو وحده؛ ليفرز الجسم هرمونات السعادة التي تقاوم التوتر الذي يحاصرنا جميعا وليسترخي عقله أيضا..
كما أنه من الذكاء أن يحيط نفسه بأكبر طاقات إيجابية من خلال مد يد العون لمن يستطيع من حوله، ولنتذكر الحديث الشريف: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". وقال سبحانه تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}.
وقد أثبتت دراسة بريطانية أن فعل الخير يقوي من مناعة الجسم لشعور الإنسان بالرضا عن نفسه، كما أن انشغال الإنسان بغيره من مبادئ الصحة النفسية التي ترفض الانشغال المتزايد بالنفس مما يحرمه من مساعدة الغير، والخبرات الدنيوية الهائلة التي نكتسبها من مشاركة الآخرين حياتهم حيث تضيف أعمارا إلى أعمارنا..
على ألا يطغى ذلك على اهتمامه برحلته الخاصة بالطبع، فخير الأمور الوسط..
تنفس الانتصار
حرموا أنفسهم!!
لقد مر على الحياة ملايين وملايين من البشر عاشوا ورحلوا دون أن يستمتعوا بمذاق النجاح الرائع، وحرموا أنفسهم من تنفس الانتصار على كل معوقات النجاح.
وما أكثرها سواء أكانت داخلية؛ حيث تنبع من داخل الإنسان نفسه وما أكثر ما أن يهزم الواحد منا، فقد عايشت عن قرب الكثير من التجارب المؤلمة لأناس من الجنسين تنفّسوا الألم لسنوات طوال وتجرّعوا الهزائم واستسلموا لها، وفاتهم أنهم الذين ألحقوها بأنفسهم..
وعاشوا في الحياة بأجساد تتحرك وتتكلم ولكن بدون الاستمتاع بالفرحة الحقيقية والتي لا يقترب منها إلا من فازوا بالنجاح في شتى مجالات الحياة بعد أن امتلكوا مهارات التعامل الإيجابي والذكي والمرن، وأتقنوا بناء صلابتهم النفسية والعملية، وهو ما نعدكم بأن نقدمه لكم حتى تتنفسوا عزة النجاح وتسعدوا بالانتصارات المتتالية لتغزلوا منها نسيج حياتكم وحياة كل من تحبون أيضا..
أما المعوقات الخارجية فتتمثل في الظروف المحيطة سواء العلاقات الإنسانية أو التعرض لإحباطات وصدمات متنوعة، فضلا عن العراقيل التي تواجهنا جميعا حتى نحصل على ما نرغب به من النجاحات في شتى مجالات الحياة.
وكنت محظوظة فحظيت بخبرات عميقة في النفس البشرية عبر عملي ككاتبة ومستشارة اجتماعية وخبيرة تنمية بشرية وقيامي بالرد لسنوات طويلة على مشكلات متنوعة اجتماعية ونفسية وعاطفية وزوجية وأخرى تختص بسبل النجاة من الهزائم في العمل وتنمية الطموحات والسعي إلى إعادة ثقته بالاستعانة بالخالق عز وجل أولا ثم بالسعي لامتلاك مهارات للتعامل مع واقع الحياة -كما هو بالفعل- وليس كما نريد أو نتمنى أو نتوقع أو نتخيل أن نكون.
وأقسم لكم!!
ولنتذكر أن الحياة مهما طالت قصيرة للغاية، وأقسم لنفسي ولكم أنها لن تعطينا أبدا أفضل مما نعطيه لأنفسنا..
وكما لا توجد رحلة "ناجحة" دون استعداد جيد ووضع ميزانية ممتازة للإنفاق، وخطط ذكية لتجاوز العقبات المحتملة، وتماسك عند المفاجآت ورغبة صادقة في الاستمتاع بالرحلة رغم أي مضايقات؛ لأننا نعرف أنها ستنتهي، ومن الذكاء ألا نضيع ما أنفقناه عليها دون استمتاع، فما بالنا إذا كنا نتكلم عن رأس مالنا في هذه الرحلة وهو العمر الذي يمنح لنا مرة واحدة وإما أن يكون لنا في الدين أو الدنيا أو علينا فيهما سويا؟
ومن المؤكد أننا جميعا نريد الفوز بهما سويا وتثبت القراءة الصادقة للحياة بكل تفاصيلها اليومية أن القلة القليلة هي التي تنجح في ذلك.
ولنتدبر القصة الرائعة التي وردت في ألف ليلة وليلة وذكرها باولو كويهلو في رائعته رواية ساحر الصحراء والتي أود أن يقرأها كل الشباب:
رُوي أن حكيما أعطى لشاب ملعقة بها نقطتا زيت وقال له: قم بالتجول في هذا القصر الرائع وحدائقه الجميلة وحافظ على نقطتي الزيت، ففعل وسأله: ماذا رأيت؟، قال: لم أر شيئا ولكني حافظت على نقطتي الزيت، فأمره بالعودة ثانيا وفعل وعاد منبهرا بالجمال الذي رآه ولكنه فقدَ نقطتي الزيت..
والمؤكد أن معظمنا لا يفقد فقط نقطتي الزيت بل والملعقة أيضا أثناء استغراقه في تفاصيل الحياة السلبية، أو السماح للانهماك في المتع بالتهام حياته، أو هزيمة نفسه بادّعاء أنه ليس في حاجة للمزيد من النجاح.
والمؤلم أنه ليس أمامنا فرصة لرحلة أخرى وأن معظمنا يؤذي نفسه..
ولننجو من التعاسة والفشل ونحتفل بإضافة أسمائنا لقوائم النور التي تحتضن الناجحين دائما كان هذا الباب الذي سيتكلم بواقعية شديدة عن كل معوقات النجاح الحقيقي؛ لنتخطاها سويا ولنتنفس الاستمتاع بالنجاح في كافة تفاصيل حياتنا اليومية؛ لأننا نستحق أن نعيش أفضل، وعندما نتذوق طعم النجاح أثق أننا لن نسمح أبدا بتسرب أي جزء منه، وسنعمل لمضاعفة أرصدتنا منه بحب أنفسنا وباحترام لنعمة الحياة وبثقة ومثابرة تتزايد دوما وأبدا.. أليس كذلك؟