ما بين الوهم والحقيقة تتراوح المشاعر تجاه الحب الأول. البعض يعتقد أن ذكرى الحب الأول لن تمحوها الأيام ولا السنين. والبعض ينظر إليه على أنه مجرد وهم طفولى، ومشاعر مراهقة طبيعية يمر بها الإنسان. البعض يعيش على الذكرى ويتمنى لو عادت به الأيام، والبعض يحاول أن ينسى تلك الذكريات ويعتبرها ماض انتهى ولن يعود. (للدكتور: خالد عبد الفتاح)
غالبا ما تكون فى حياة كل منا قصة حب أولى. البعض ما زال يحمل ذكريات طيبة عنها، والبعض انتهت قصة حبهم نهاية حزينة لا يريدون تذكرها. البعض أحب عن بعد، والبعض انغمس فى الحب وعاش أصدق لحظات من المشاعر البريئة. والبعض يرى أن الحب الأخير هو الوحيد الحب الحقيقى على أساس أن المسائل نسبية. وهكذا يقول ياسر عبد الله (بكاوريوس علوم قسم فيزياء دفعة 2003) إن الحب الأخيرهو أصدق حب مهما كان ترتيبه. فالحب الأخير يقضى على أى أثر للحب الأول. ولكن الحب الأول يترك أثرا لا يمكن اعتباره إلا جزء من الذكريات. وأنا شخصيا كان الحب الأول بالنسبة لى هو الحب البرىء العذرى. وهو كان حبا صامتا بدون كلام. فقد كان حبا من طرف واحد أو هو ما يمكن أن تسميه إعجابا بشخصية جارتى. وقتها كنت شخصا غير مجرب ولا خبرة لى بالمشاعر، ولذلك اندفعت فى الحب من طرف واحد إلى حد كبير. ولدرجة أننى لم أجروء على مصارحتها بحبى لأنى لم أكن جريئا، وهى كانت جارتى وخفت من مصارحتها حتى لا أفسد الأمر بين عائلتى وعائلتها لأنى لم أكن واثقا من رد فعلها. وقد استمر الوضع على هذا الحال حب من طرف واحد لمدة تصل إلى حوالى 4 سنوات. ولكن الحب الأخير لو كان صادقا فهو يمكن أن يجعلك تنسى الحب الاول. لأن الحب الأخير غالبا ما يكون قد وصل إلى درجات نضج أعلى من الحب الذى قبله نتيجة لأن الإنسان يكتسب المزيد من الخبرة مع مرور الأيام، ويستطيع أن يتحكم فى عقله وعواطفه بشكل أفضل. وحول معايير الحب الحقيقى يقول إنه الحب الذى يعطى الإنسان شعورا بالاتزان الداخلى. ولكن مشلكة الرجل فى مجتمعنا الشرقى أنه ذو طبيعة عاطفية تختلف عن المرأة. فالرجل يمكنه أن يتخلص بسهولة من أثر الحرب، ويدخل فى علاقات جديدة. أما المرأة فتواجه صعوبة فى التحول النفسى و استعادة التوازن بعد انتهاء العلاقة العاطفية. كما أن الرجل يمكنه أن يحب أكثر من امرأة فى نفس الوقت، ويشعر أنه حب حقيقى. وحتى لو كان الرجل منغمسا فى علاقة عاطفية ويشعر انها علاقة حقيقية فإن ذلك لا يمنعه من خوض المغامرات العاطفية.
وتقول منار الشاذلى طالبة بالسنة الثانية بكلية الحقوق جامعة الزقازيق 19 سنة إن الحب الأول ترك لديها إنطباعات سيئة.وتقول إن أول حالة حب مرت بها كانت مع شاب من أقاربها. وبدأت علاقتهما منذ أيام الدراسة الثانوية، وتصارحا بالحب. واستمرت العلاقة حوالى سنتين. وبعدها فوجئت به يتركها بسبب دخوله فى علاقة حب مع فتاة أخرى. وقال لها إنه لم يكن يحبها حقيقة، ولكنه أوهمهابالحب لأنه أراد أن يحافظ عليها من التعارف على شباب يمكن أن يلعبوا بعواطفها وهى الفتاة البريئة. وتقول منار كنت أشعر أنه لا يحبنى، ولكننى كنت أضحك على نفسى و أوهم نفسى أننى أحبه. وأعتقد أن مشارعى فى تلك اللحظة كانت ككأى فتاة شابة فى مجتمع تقليدى. وفى مرحلة التكوين النفسى والعاطفى وكنت بحاجة إلى شاب يقف بجوارى.. يحبنى، ويمنحنى المشاعر التى تحتاجها البنت فى تلك الفترة من حياتها حتى تشعر أنها فتاة مكتملة الأنوثة ومرغوبة. وفى النهاية اعتقد أن العيب لم يكن فيه لأننى فى الحقيقة أنا الذى كنت أخدع نفسى. ولهذا تركت هذه العلاقة فى ذهنى ذكريات سيئة. وبعدها تجاوزت الأزمة و دخلت فى تجربة أخرى. ولكننى فشلت مرة أخرى فيها لأننى لم أستطع أن أحب الشخص الثانى. ولكننى كنت وقتها بحاجة إلى شخص ينقذنى من أزمتى العاطفية. ولكن مع مرور الأيام اكتشفت أنه لم يكن حبا من جانبى فتركته. مه أنه هو كان يحبنى. وقد انتهت هذه العلاقة من سبع شهور، ومن ساعتها حتى الآن لم أدخل فى أى علاقة اخرى. وحول السبب فى هذا تقول أننى لم أجد الشخص المناسب لى.. وليس موقفا عدائيا تجاه الحب. أنا مؤمنة بفكرة الحب ولكن بشرط أن يكون عن وعى، وأن يختار الانسان الشخص المناسب له، وأن لا تكون بينهم فروق كبيرة تسبب فجوة بينهما. فالحب لا ينفى المشاكل لأن الحبيبين يكونان سعداء بالعلاقة فى أول الأمر، ولكن مع مرور الوقت يبدأ التفكير فى الواقع وتظهر المشاكل. ولهذا لا بد أن يكون هناك تقارب ثقافى وفكرى بينهما.
وتقول أختها رحاب الشاذلى إن تجربة الحب الاول كانت جميلة، ولها ذكريات لا يمكن ان تنساها مع مرور الوقت. وكانت تجربة الحب الأول بالنسبة لى قد بدأت فى المرحلة الثانوية وانتهت فى أثناء سنوات دراستى الجامعة. كان حبا متبادلا بيننا. ولكن الحب انتهى بسبب ظهور اختلافات فى مستوى التفكير بيننا. كما أن الظروف المادية أيضا وقفت عائقا فى طريق ذلك الحب. ورغم حبه لى إلا أن الظروف أدت لإنها تلك العلاقة. ومع ذلك فأنا لا أعتبر هذه العلاقة علاقة حب حقيقية لأن الحب الحقيقى يكون كلا متكاملا. ومن المفترض أن يكون هناك توازن أو اتساق بين العقل والقلب. وفى رأييى أن الحب الحقيقى لا يولد إلا بعد الزواج، بعد أن ينكشف كل طرف أمام الآخر بشكل كامل. فمع الحياة الزوجية تولد المشاعر الحقيقية. وبعد الزواج تكون المشاعر قد أصبحت واقعية لأن الطرفان يكونان قد مرا بظروف صعبة، ومحكات عملية تثبت هذا الحب. وأعتقد أن الحب الأول لا يحدق فى مجتمعنا بسببالطبيعة المنغلقة لهذه المجتمعات. ولهذا عندما يحدث تعارف بين الشاب والفتاة يوكن هناك اندفاع فى المشاعر يؤثر على مصداقية الحب. أما فى المجتمعات المفتوحة فتكون المشاعر أكثر استقرارا.
وترى أمنية طلال 24 سنة صحفية تحت التدريب أن فكرة الحب الأول فكرة وهمية، وأن الشباب يتوهمون هذا الحب. وهى لا ترى أى فرق بين الحب الأول أو الثانى أو الثالث. والناس أصبحت تنسى المشاعر وتعود لتحب من جديد. وأعتقد أن فكرة الحب الأول تسيطر فقط على الشباب فى مرحلة المراهقة. وعندما تمر مرحلة المراهقة يصبح الشاب أو الفتاة أكثر عقلانية. وعندما يخرج الشاب أو الفتاة من هذه المرحلة يتخلصان من هذا الوهم. وبالنسبة لى أنا أعتقد أن هناك خللا فى المفاهيم بمعنى أن أى مشاعر بداخلنا كشباب نفسرها على أنها حب، دون أن نتاكد من حقيقة مشاعرنا أو أن نتأكد من أن الشخص الذى نحبه مناسب لنا فعلا. وهذه هى المشكلة التى تجعل من الحب الأول مسيطرا على مشاعرنا. والعيب فى مجتمعاتنا أن معظم الشباب يفسرون الاعجاب على أنه حب بينما هو فى حقيقة الأمر يمكن ان يكون مجرد إعجاب عابر. وكلما ارتقينا لمرحلة عمرية أخرى يزول هذا الاعجاب. كما أن طبيعة نشأتنا كشرقيين فى مجتمعات تفصل بين الولد والبنت تجعلنا عرضة للأوهام. ونحن بحاجة إلى تغيير المفاهيم البالية ومن الضرورى أن تكون هناك تنشئة سليمة تشجع على الاختلاط حتى يصبح أمرا طبيعيا. وبعدها لن تكون هناك أى مشكلة بدون الولد والبنت. وغالبا تبدأ المشكلة فى مجتمعاتنا مع المرحلة الجامعية باعتبارها أولى مراحل الاختلاط. وهنا يرى الولد مجموعة من البنات للمرة الأولى، والبنت تشاهد مجموعة من الأولاد للمرة الأولى. وهنا تبدأ عمليات اللخبطة فى المفاهيم، ومع قلة الخبرة وصغر السن يعتقد الطرفان أان هذا حب ويصطدمان فيما بعد بالواقع. وتكمل قائلة.. الحب فى حياتنا لم يعد كحب زمان. الحب فى زماننا أصبح تيك اواى. ومن النادر أن نجد من يحب حبا حقيقا أو يخلص فى مشاعره سواء كان ولدا أو بنتا.
ومثلا لدى نماذج واقعية من الحياة. فهناك صديق لى أكبر منى بسنة تقريبا. كنا أصدقاء أثناء فترة الدراسة الجامعية. ولم يكن يمر أسبوع أو أسبوعان إلا ويحكى لى قصة حب حقيقية من وجهة نظره. وبعد فترة تتغير مشاعره ويتعرف على بنت غيرها، ويحكى لى مأساته ومشاعره. ورغم أنه انسان ناجح فى حياته المهنية إلا أننى أرى أنه غير ناضج فى حياته العاطفية. وهناك قصة أخرى عن إحدى صديقاتى من أيام الجامعة أيضا. وكانت إنسانة صادقة مع نفسها ورومانسية وكانت تحب أحد زملائنا حبا حقيقيا، ولكنه من النوع الذى يحب التغيير، وكل فترة نجده مع فتاة مختلفة. ورغما أنه صارحها بأنه لا يحبها إلا أنها ظلت 3 سنوات تدافع عن حبها، واستمرت فى حبه. ولكنها انتهت إلى الفشل. ولم تفق من وهم ذلك الحب إلا بعد تخرجها وبعد أن أدركت أنه لا فائدة من ذلك الحب.
أما منصور سعيد ظابط بالقوات المسلحة فيقول نعم هناك حب أول. ومن رأييى أن الحب الحقيقى الوحيد الذى يعيشه الإنسان ويستمتع به هو حبه الأول. وأى احساس بعد الحب الأول هو مجرد وهم، وسعى وراء بقايا ورواسب الحب الأول.ويقول منصور أنه مر بتجربة الحب الأول فى أخر سنة من مراحل الدراسة الإعدادية (المتوسطة)، واستمر معه ذلك الحب طوال سنوات الدراسة الثانوية. وكانت إنسانة رائعة ذات قلب حساس جميل. ويقول: عشت معها فترة المراهقة كلها. أجمل سنوات حياتى.. وأحسست معها لأول مرة بقلبى وهو ينبض، ومعها عرفت معنى الحياة ومعنى العاطفة. وكان حبنا يتميز بأنه تجاوب بين الطرفين. كل طرف كان يعطى يقدر ما يستطيع. ولكن مأساة الحب الأول أنه غالبا ما ينتهى إلى الفشل ولا تتطور العلاقة إلى زواج رغم أن هذا الحب يكون صادق من الطرفين. وهذا الحب يؤثر بعد ذلك على الطرفين إذ يعجز كل طرف عن تجاوز هذه المشاعر الجميلة، ويظل طوال عمره يبحث فى كل إمرأة يفابلها عن مواصفات حبيبته الأولى، وعندما يجد أى صفة مشتركة بين الانسانة التى يقابلها والحب الأول يندفع نحوها تلقائيا. وعظمة الحب الأول أنه قائم على العاطفة فقط، وليس قائما على الحسابات العقلية، وهو بذلك يتغاضى عن المنزلة الاجتماعية والفروق الطبقية والتعليمية، و ويكون حبا خالصا. ودائما لا يفكر طرفى الحب الأول فى الزواج كغاية، بل بعتبران أن الحب فى حد ذاته قيمة وهدف سام يعيشان من أجل الحب وله. وهما ينغمسان فى مشارهما لدرجة أنهما لا يفكران فى المستقبل وكيف سيكون شكل العلاقة فيما بعد، وكيف ستتطور أو تنتهى. المحبون دائما يكونون غارقين فى بحور من الرومانسية والعشق. ولا يهتمون بوضع النقاط على الحروف، ولا بتحديد النهايات. وإذا تدخل العقل فى الحب الأول فإنه يفسده، لأن الحسابات تفسد العلاقة السامية التى أقصدها. ويقول منصور أنه رغم إقباله على الزواج إلا أنه لا يشعر بنفس القدر من مشاعر الحب تجاه زوجته لأن حبه الأول كان قد أخذ منه أجمل المشاعر والذكريات. ويقول إن قصة حبه انتهت بضغوط من جانب أهل محبوبته لأنه ساعتها كان غير مستعد للتقدم للزواج. ولكنه يقول أنه رغم مرور 15 سنة على انتهاء تلك العلاقة إلا أنه ما زال يفتش فى وجه كل امرأة عن ملامح تتشابه مع ملامح محبوبته الأولى.