لا ريب أن الصائمين من خير عباد الله تعالى ، ولكن ثمة أخطاء يقع فيها بعض الصائمين ، فلا بد من التنبيه إليها ، والتحذير منها ، فمن ذلك :
1. أن كثيرًا من الناس يُقبلون على العبادة في رمضان ، ويدعونها في غيره ، فترى ا لمساجد تمتلئ في رمضان فقط ، بل إن من المحزن أن تراها تمتلئ في وقت المغرب بالذات بشكل أكبر ، ويكون ذلك في اليوم الأول أبرز منه في اليوم الثاني ، ولا يزال الناس يتناقصون ، حتى يكون آخر شهر رمضان مثل غيره من الشهور تقريباً . وهذا أمر خطير وظاهرة ، كأن هذا الصنف لا يعرفون الله إلا في رمضان والعياذ بالله .
فيجب على الدعاة والوعاظ وأئمة المساجد أن يستغلوا فرصة خروج أولئك الناس من بيوتهم إلى ا لمساجد لينبهوهم إلى خطورة هذا العمل ، وفداحة أمر التهاون بالصلاة التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام : [ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر] (رواه الترمذي والنسائي وغيرهما).
2. أن بعض الناس يصومون عن الأكل والشرب والجماع وغيره من المفطرات ، ولا يصومون عن أشياء محرمة كالغيبة والنميمة وقول الزور ، وشهادة الزور ، والكذب ، والسب والشتم والغش والاعتداء وغير ذلك من المخالفات القولية أو الفعلية ، وهذا لا شك أنه انتكاس في مفهوم الصيام لأن الصوم تربية للصائم فليس من المعقول أن يربيك الله على الإمساك عن بعض المباح ثم لا تمسك عن المحرمات .
3. أن بعض المتحدثين عن فضائل الصيام ، يركزون في حديثهم على الفوائد للصوم ، كالفوائد الصحية مثلاً ، وينسون أو يقصرون في تنبيه الناس إلى الجانب الأخروي في الصيام ، وأنه عبادة لله تعالى ، ولهذا فإن المؤمن يخوض المعارك وقد تذهب روحه فيها ، لأن ذلك طاعة وعبادة لله تعالى ، إذن فليس المقصود الأول من الصوم أن يصح الجسد ويسلم من الآفات ، أو أن يحصل الصائم على منفعة عاجلة ، وإنما المقصود التعبد لله تعالى وتأتي الفوائد الدنيوية تبعاً .
4. سوء الخلق : فبعض الصائمين يبدو سيئ الخلق ، بسبب امتناعه عن الأكل والشرب فتراه قاسياً فظاً غليظاً على أهله وعلى الناس الذين يعاملهم ويتصرف تصرفات متشجنة وهذا خلاف ما يجب أن يكون عليه الصائم من حسن الخلق الذي أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما في الحديث المتفق عليه : [ الصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني إمرؤ صائم ] ( رواه البخاري ومسلم) .
فما بال بعض الناس إذا صام اشتدت أعصابه ، وطار صوابه ، وطفق يرمي بالعبارات الجافية القاسية أهله وأولاده ، وجيرانه ، وزملائه ومعامليه وربما كان في غير حال الصوم هادئاً وديعاً خلوقاً لطيفاً .
5. أن بعض الصائمين يتخذ رمضان فرصة للكسل والخمول ، في حين أن المسلمين الاوائل كانوا على عكس ذلك فكثير من المعارك الإسلامية الشهيرة كانت في رمضان .
وبعض الذين يجعلون رمضان فرصة للإكثار من النوم يحتجون بأحاديث ضعيفة مثل حديث :[ نوم الصائم عبادة] ( رواه البيهقي ) .
وعلى فرض صحته فإنه لا يدل على مرادهم ، فإن الذي ينبغي للصائم هو أن يغتنم رمضان للاستزاده من العمل الصالح بهمة ونشاط .
6. ومن الأخطاء الإسراف في رمضان في موائد الإفطار والسحور فيوضع من الطعام ما يكفي الفئام من الناس ويكثر من الأنواع ويفنن في عرض كل غالٍ ورخيص من مطعم ومشرب من حالٍ وحامض ، وحلو ٍ ومالح ، ثم لا يؤكل منه إلا القليل ويهدر باقيه مع الفضلات ، ويرمى مع النفايات ، وهذا خلاف هدي الإسلام العظيم ، قال سبحانه وتعالى : (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ، إنه لا يحب المسرفين) (الأعراف ـ31) . فكل ما زاد على حاجة الإنسان واستهلاكه فهو إسراف مذموم . ولا يرضى به رب الصائمين ويندرج تحت قوله تعالى : (ولا تبذّر تبذيراً ، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ، وكان الشيطان لربه كفورا) (الإسراء ـ 26/27). وقال عز وجل : (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ، وكان بين ذلك قواما) (الفرقان ـ 67).
تصبح الأسواق في رمضان مليئة بالمشترين وكلهم يحمل من الأشربة والأطعمة ما يكفي عشرات الأسر .
هناك أسر تموت جوعاً ، لا تجد فتات الخبز ، تنام في العراء تفترش الغبراء وتلتحف السماء ، وأسر هنا أصابتها التخمة من كثرة إسرافها وتبجحها . ويعجبني قول بعض المصنفين موبخاً من كان على هذه المشاكلة :
(إنكم تأكلون الأرطال ، وتشربون الأسطال ، وتنامون بالليل لو طال ، وتزعمون أنكم أبطال ) فالمقصود أن على الناس أن يكونوا معتدلين في مطاعمهم ومشاربهم في رمضان .
7 . اللهو في رمضان :
درج الشباب وبخاصة في رمضان على ظاهرة إضاعة الوقت وتقطيعه في غير طاعة الله ، إنها الغفلة والإعراض عن الرحمات والنفحات الإلهية قال تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) ( طه ـ 124/126) .
كم تتألم نفسك ويتقطع قلبك حسرات على ما تراه من شباب المسلمين الذين امتلأت بهم الأرصفة والملاعب في ليالي رمضان الفاضلة .
كم من حرمات الله ومعاصيه التي يجاهر بها في ليالي رمضان المباركة .
نعم إن المسلم ليغار على أوقات المسلمين وعلى زهرة شبابهم أن تبذل في غير طاعة الله .
8 . يخطيء كثير من الصائمين في عدم التفقه في دين الله تعالى بما فيه الصيام ، فكثير منهم لا يعرف ما يفطّر صومه ولا ما يجرحه ولا ما يفسده ، وماذا يسنّ للصائم ، وماذا يجوز له ، وماذا يجب عليه وما يحرم عليه .
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين]رواه البخاري . فكأن الذي لا يتفقه في الدين ولا يسأل عن أمور دينه ما أراد الله به خيراً .
يقول سبحانه لعباده: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (النحل ـ43) . وأهل الذكر هم العلماء ، فحق على المسلم الذي يريد أن يعبد الله على بصيرة أن يسأل عما يجهله من أمر دينه ويبحث عن العلم ويحرص على الفقه في الدين .
9. ومن الصائمين من لا تجود نفسه بصدقة في هذا الشهر العظيم ، ولا تشرف مائدته بتفطير بعض الصائمين ، فبابه مغلق وكفه بخيلة . قال تعالى : (ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ) (النحل ـ 96) . وقال تعالى : (وما تقدموا لأنفكسم من خيرٍ تجدوه عند الله) (المزمل ـ 20) .
10 . ومن الصائمين من ترك صلاة التراويح وتكاسل عنها ، ولسان حاله يقول : تكفيني الفريضة ، وهو لا يكتفي من الدنيا بالقليل بل يحرص على الكماليات منها حرصه على الضروريات