لمن لا يستطيع

مهداة الى من لا يستطيعون رسم البسمة على الوجوه ,على الأقل لا تحاولوا مسحها

.......................................................................
.............................أرجوكم دعونى وشأنى" هكذا كنت أهتف وأنا فى مركز الصيانة وبالرغم من ذلك فهم يحاولون بشتى الطرق أعادتى للحياة وأصلاح العطب الموجود فى ليعيدونى للعمل مرة أخرى ولهذه الدنيا السيئة , رغم مللى منها وكرهى لها وهكذا كلما أقترب منى المختص بمفك أو بأية أداة , أنتباتنى حالة من الأستياء الشديد الذى ينتهى بأن يعيدنى مرة أخرى لصندوقى معلنا حيرته من عدم استجابتى للأصلاح.ولتعرفوا سبب هذه الحالة وكيف وصلت لها دعونا سأبدأ فى حكى ما حدث لى من البدايةأنا كما لعلكم قد لاحظتم,هاتف جوال من طراز "سوكيا 6600" ,وهكذا فأنا أنحدر من عائلة عريقة فى عالم الهواتف المحمولة وذو مميزات عديدة ستتعرفون عليها من خلال الأحداث . والان دعونى أعود بكم الى اليوم الذى بدأت فيه الأحداث التى أنتهت بى الى مركز الصيانة.كان هذا صباح أحد ايام شهر نوفمبر معتدلة البرودة.كنت موضوعا على "البينش" بجوار حافظة أوراق وكنا فى أحدى المحاضرات المملة التى يخيل لك أنها تستمر لدهور فى أحدى الكليات والتى طبعا بدورها فى أحدى الجامعات .وكنت معدل للوضع الصامت.كان صوت الدكتور يزيد من حالة الملل فقد كان يتحدث بطريقته المعهودة عن أنه مهما تقدمت الالات فسيظل الأنسان يتفرد بمشاعره وأحاسيسه التى تفتقدها هذه الالات تماما .وفجأة تعالى فى سماء المدرج رنين هاتف بشكل مباغت ومتكرر.التفتت مع الحضور لأعرف مصدر الرنين ففوجئت أنه صادر من هاتف ملاصق لى من طراز (سوكيا 3200).ما أن أنتهى الرنين حتى تعلقت بهذا الهاتف وقضيت الجزء المتبقى من هذه المحاضرة أحاول لفت نظره لوجودى بجواره,الا ان تعديلى للوضع الصامت حال دون ذلك .ومما أفقدنى تركيزى أن صديقى البشرى كان يحاول أن يتجاذب الحديث مع كائن بشرى أخر (ذو شعر طويل ويصطلح البشر على تسميته فتاة)يجلس بجواره .وبعد أنتهاء المحاضرة وأثناء سيرنا فى الممر بدأ صديقى فى الحديث مع نفس الصديق الذى كان يحاول محادثته منذ قليل, ولكننى لم أنتبه للحديث فقد كنت أتلفت باحثا عن الهاتف الذى كان بجوارى فى المحاضرة .والذى أصابتنى حالة غريبة من التعلق به, وفجأة أذ بالكائن(الفتاة) الذى يقف مع صديقى (تخرج) ذات الهاتف من حقيبة (يدها) وتسجل عليه رقمى الذى كان صديقى فى ذات اللحظة يمليه عليها .وما أن رأيت الهاتف مرة أخرى حتى أحسست وكأننى قد تم شحنى بهاتف ذو قوة 1000 فولت .ظللت أنظر للهانف الرقيق وهو فى يد صاحبته , الى أن وجدت أن أحدهم يتصل بى وما أن أستطلعت الرقم حتى وجدته رقم جديد وغريب ,سرعان ما عرفت أنه رقمها لأننى نظرت لها فوجدتها تضحك لى .وياله من رقم ؟؟ فأنتم تعلرفون أننى أحب الأرقام التى تنتهى ب(13 ) فهذا هو رقم حظى ,ويدل على شخصية رقيقة ورومانسية فأنا أعرف شخصية الهاتف من خلال رقمه , ولا أدرى كيف يعيش البشر بدون أرقام تميزهم فاقدوا هوية.وكان صديقى يحفظ (يسيف) رقمها ويسجله فى ذاكرتى بأسم صديقته والتى لا أتذكر أسمها الأن.وهكذا أصبحت (هى) شغلى الشاغل فى تلك الفترة .لا أفكر فى شىء سوى أزرارها الأنيقة وشاشتها الفاتنة وخصرها الرفيع ولونها الأزرق اارمادى.وتغيرت كثيرا عما كنت قبل ان أعرفها ,فحتى الأغانى التى كان صديقى يخزنها فى ذاكرتى والتى كنت أرى أنها سطحية ومبتذلة ,أضحت جميلة ومعبرة ,بأختصار أصبحت غارقا فى الرومانسية.أستمر الأمرعلى هذا النحو لأمد غير طويل (ستة أشهر) كنت خلالهم أطلب رقمها لأكثر من عشرين مرة يوميا :عند الأستيقاظ صباحا وعند الوصول للكلية وعند بدء المحاضرة أذا لم تأتى فى ميعادها ,ثم عند العودة ومساءا وعند النوم وهذا غير الرسائل طبعا, وهذا جعلنى أدرك معنى شعار السلالة الهاتفية التى أنحدر منها والذى هو :(connecting people)ولكن فجأة كما يقولون تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ,ففى صباح أحد أيام شهر مايو ,كان الجو لطيفا خادعا لا ينذر بحدوث كارثة ,كان صديقى يبدو مكتئبا على غير عادته,وكنت مستلقى على المكتب ,بينما كان هو مستلقى على السرير ويبدو أنه كان منتظلرا لمكالمة معينة ,أما أنا فكنت منتظرا لمكالمة من هاتفلى الحبيب والذى لم يتصل بى اليوم مطلقا على غير العادة. بعد فترة قام صديقى وأمسك بى وضغط أزرارى متصلا برقم هاتفى الحبيب ولكنه لم يرد مطلقا,حاول أكثر من مرة ,ثم أصابه اليأس فبعث لها برسالة (كلمنى شكرا),ثم واصل أستلقاؤه محدقا فى السقف ,وظللت أنا على المكتب فى حالة قلق وحيرة .كما لم يعد يقابل صديقته وبالتالى (وهذا هو الأهم)لم أعد اقابل هاتفى الحبيب.بدأت أمتحانات نهاية العام وأنشغل صديقى بها, ولكنه كان من فترة لأخرى يحاول الأتصال بصديقته وبالتالى الأتصال بهاتفى الحبيب.حتى جاء يوم نهاية الأمتحانات (وكان صديقى يمسك بى مهاتفا أحد أصدقاءه وهو يمر على كافتيريا الكلية فأذا به يتوقف محدقا , نظرت لنفس الأتجاه ,ويالهول ما رأيت :فقد كانت صديقته تجلس بجوار صديق أخر ويتضاحكان وهما متشابكى الأيدى ,أما الكارثة الحقيقية فقد كانت صدمتى فى هاتفى الحبيب والذى كانت تجلس على المنضدة بجوار هاتف ضخم من نوع سوكيا ة95 ,وكانا يتضاحكان ويتهامسان.حدثت لى صدمة عصبية وتوقفت لحظة عن الحياة وأختفت علامات الشبكة تماما من شاشتى وأظلم العالم كله فى وجهى.فى طريقنا للمنزل, كان صديقى فى حالة ذهول (لا أدرى سببه , ربما كان يشاركنى مشاعرى).وعندما وصلنا للمنزل دخل صديقى لحجرته وألقى بى على المكتب ,ثم دخل لينام .عندما أستيقظ صديقى ,وجدت حالة الأكتئاب قد ذهبت عنه تماما .وبدأ يلتهم البيتزا ويقهقه أثناء مشاهدته لأحد الأفلام الكوميدية . و بعدها ظل يهلل مشجعا فريقه المفضل فى مباراة لكرة القدم,بينما كنت أنا غارقا فى الحزن رغم أرتفاع رنينى بالأغانى.قررت أن أنهى حياتى لأتخلص من هذا العذاب ,فكنت كلما قام أحد بالأتصال بى أقتربت أكثر فأكثر من حافة المكتب بأستخدام خاصية الأهتزاز,مستغلا أنتباه صديى للمباراة.الى أن سقطت مبعثر الأشلاء على السيرايك.أنتفض صديقىوألتقط أشلائى وجمعها على المكتب فى غضب...........................................أندهش صديقى من عدم قدرة المهندس على أصلاحى ومن نصيحته لصديقى ببيعى بأى سعر.وفى طريق العودة كان صديقى يمزح مع أصدقاؤه ويغنى بينما كنت أنا مدمرا تماما.وأثناءها تداعت فى ذهنى جملة الدكتور فى تلك المحاضرة المشئومة من أنه مهما تقدمت التكنولوجيا فسيظل الأنسان يتميز بمشاعره وأحاسيسه والتى تفتقدها الأجهزة الأليكترونية تماما ............ تماما.النهاية