فقط امنحيه بعض الوقت .. قد يعود او قد يذهب الى الابد فقط امنحيه بعض الوقت
- لن يعود .. اعلم هذا
- اذن فانت لا تعرفيه
لم تشا ان تجادل .. فقط صمتت و دلفت الى حجرتها , بدات فى عد الرسائل الذى كتبها اليها , لم يرسلها اليها عبر البريد , فقط عند لقائهما كان يعطيها اياها , لكم سخرت من تلك الطريقة التى اختفت من الوجود , لكنه كان تقليديا فى كل شىء حتى فى حبه .
سافكر فيك .. لكن بعد ان انهى عملى .. و لو كنت متعبا ..ساؤجل التفكير فيك ليوم عطلتى .. انا احب النظام .. ارجوك"
عزيزتى"تعلميه من اجلى .
لم يكن بداخلها اى شىء تقليدى , حتى مشاعرها لم تكن تقليدية , لم يكن به شىء يجذبها سوى بعض الطيبة و صرامة قد تلين لكنها ابدا لا تختفى , ارادت ان تغيره .. فقط ارادت ذلك
رن جرس الهاتف , و حينما اجابت لم يكن هناك اى رد
لا .. لا يمكن ان يكون هو .. لم ينهى عمله بعد .. و هو حتما لن يعيرنى بعضا من وقت عمله .. انا فقط املا وقت فراغه-
اعادت رسائله الى مكانها المعتاد , و نظرت الى المراة , لم تثيرها الدهشة , لقد اصبحت تحمل شيئا من ملامحه , تلك النظرة الثابتة , و الابتسامة الساخرة من كل شىء لا يمت للنظام , او قل لا يمت للماضى
لا افهم ما معنى ان يصعد الناس الى القمر , الا تكفيهم الارض ؟! لا اعلم ما كل هذه الضجة بشان التكنولوجيا , الم تفقدنا تلك- الماديات بعضا من آدميتنا .
كان عليها ان تستمع لمثل تلك المحاضرات فى كل لقاء لهما , كان يكره كل شىء يمت للحاضر حتى " الكابتشينو "
لطالما اعدت جدتى الى قهوة داخل فنجانها العتيق التى توارثته , اما هذا الشىء فمن اى تراث هو"
انا عربى شرقى .. لى هيبتى .. لا احب ان يرانى احد و اناا اتجول معكى فى الاسواق .. سيظنون اننى ادللك"
و ما عيب الاسواق
ليست مكانا للرجال
كان معظم حديثه اوامر , و عليها فقط ان تنصاع , لا سبيل للنقاش , حتى الصمت لا سبيل له معه , يجب ان يبدو عليها الخجل و هى صامتة , اما الصمت فقط , فهو عنده شىء من الوقاحة , و هى ابدا لم تكن كذلك .
طرقت والدتها بابها فسمحت لها بالدخول , اخبرتها بان والدته تريد ان تراها
"ارايت ارسل اليك والدته لكى تصالحك .. لم تشا ان تزعج والدتها او ان تخيب ظنها , فقط صمتت"
خرجت لاستقبال والدته .. كانت امراة قصيرة و بدينة ..تمسك دائما بعصا تتكا عليها , ايضا كانت تلك العصا جزء من ميراث تلك العائلة , حتى النظارة التى تغطى عينيها كانت ارثا ايضا . سلمت على السيدة المسنة و قبلت يديها و انتظرت الاذن لكى تجلس .. هكذا تقاليد العائلة
"حسنا .. يمكننك الجلوس"
جلست الفتاة و انتظرت كى يسمح لها بالحديث .لكن السيدة صمتت لمدة ليست بقصيرة .. و كانت طوال تلك المدة تنظر الي الفتاة
"لقد اخبرنى بما حدث"
"حقا"
"نعم .. هو لا يخفى شيئا عنى .. هكذا علمته كما علمنى والدى"
"حسنا"
"كما علمونى ان دائرة الخلافات يجب ان لا تتسع بين الرجل و امراته .. لذلك جئتك كى تعتذرى اليه"
"اعتذر اليه"
"بالطبع , هو رجل و انت فتاة .. لا يضيرك الاعتذار .. اما هو"
"نعم , اعلم .. الرجال لا تعتذر"
بالطبع عزيزتى .. هم لا يعتذروا .. اتذكر حين قام زوجى بطردى ليلا .. لم املك ان اعود لمنزلى او حتى ادق الباب كى اراجعه فى" "رايه , فقط نمت ليلتى عند الباب
"حقا !"
"نعم هكذا تعلمنا .. و على اى حال لماذا ترغبين فى العمل .. اينقصك شيئا"
صمتت الفتاة
"اتعلمين كلام الناس ..سيقولون ان زوجك و اهله لا يقدرون على نفقاتك"
"زوجى!!"
"فى اعتبار ما سيكون .. او تجلبين العار لبيتك .. سيقولون ابيك و اهلك عاجزين عن سد نفقاتك"
احمرت وجنتى الفتاة غضبا من كلام العجوز و ان اخفت ذلك الغضب .. فهذه امراة عجوز و فى منزلها .. لا بمكنها اهانتها .. هى ايضا علمها والداها
كانت الام كابنها تعشق الحديث ، و تتجاهل الاخر دائما , ظلت قرابة الساعة تقص عليها حكاياتها التى لا تنتهى , و معظمها كان عن اهلها و كيف قاموا بتربيتها , و كيف نقلت بدورها هذا الميراث من التقاليد الى ابنائها , ظلت الفتاة صامتة فهى تعلم ان لا احد يستطيع ايقاف حديث كبار السن او حتى مقاطعته .. فى نهاية لقائهما اصرت السيدة على ان تتصل الفتاة بخاطيها كى تعتذر له .. و لم تنسى ان تثنى عى تربية الفتاة خاصة امام والدتها .. و حقيقة هى كانت تثنى على حسن اختيارها لها .. و كيف ان حكمة الحياة جعلتها دائما لا تخطىء .. هى دائما على صواب .. او هكذا تظن .
لم يهدا تفكير الفتاة فى هذا اليوم , كانت تفكر فى كل شىء , فى خطيبها و كيف لها ان تغيره , وفى اهله و كيف لها ان تجعلهم يتقبلونها .. و فى اهلها و كيف لهم ان يعطوها حرية فى ان تنهى هذه العلاقة اذا ارادت .. نعم لها حق اتخاذ القرار .....لكن ليس لها حق بعد ذلك .. حتى حقها فى ان تحلم او ان تحارب من اجل ما تريد .. بدا لها انه قد ضاع الى الابد
لم تسنطع ان تصمد امام تلك الافكار .. انهت حديتها مع عقلها و ان اتصتت قليلا الى همسات قلبها .. و التى زادت من حيرتها ..
فهو ايضا لا يدرى عن ماذا يتخلى ؟؟
فى صباح اليوم التالى .. قررت ان تذهب اليه , و ان لم تكن تحمل قرارا , لكنها ارادت ان تحدث شخص بما داخلها .. و فى النهاية هو نصفها الاخر .. هكذا يفترض . ذهبت الى مكان عمله و اضطرت للانتظار لاكثر من ساعة حتى ينهى اعماله .. لم تدرى كيف تبدا حديثها
حسنا ..ساخبره اننى لم اعد اقدر على تحمل مثل تلك السخافات ..نعم كل ما يقوم به هو شىء لا تفهمه ..لم تفهم شيئا من" حديثه ابدا ..كلماته تبدو مرتبة و تحمل بعض المنطق .. منطقه هو .. لكن فى دائرى افكارها و حتى فى خيالاتها ..تلك الكلمات لا تعنى شيئا"
عاتبت نفسها كيف تكون بمثل تلك القسوة , او كيف تاتى بتلك الشجاعة لقول هذه الكلمات ..ارادت ان تعود ادراجها ..ارادت ان تبكى ..ارادت ان تبعد عن كل شىء و ان تنهى كل تلك اللحظات دون ان تكون سببا فى ان تؤذى احد او ان يؤذها احد .
انهى عمله و استقبلها فى مكتبه .. كان كل شىء فى مكان عمله يدل على شخصيته .. حتى القلم الذى يكتب به ..اختفى من المكان كل ما يتصل بالتكنولوجيا .. حتى انها احست لوهلة انها داخل مكتب جدها .. لكم احبت هذا المكان حينما كانت صغيرة .. و لكم تمقت هذا المكان الذى تجلس فيه الان
بدا يحديها بلهجته الحادة رغم خفوت صوته , حدثها عن عمله و كيف انه متعب , حدثها عن يومه و كيف كان ، حدثها عن كل شىء عن" انا " و كانت " انت " غائبة دوما عن حديثه
"اذن .. يمكنك ان تبداى"
"ابدا ماذا"
"اعتذارك .. ما جئت من اجله"
فاجئتها كلماته و ان لم تفاجئها صرامته و خشونة حديثه
"انا لم اخطا لكى اعتذر"
التزم الصمت بعد تلك الكلمات .. كان يعلو وجهه علامات كثيرة و ان غلب عليها الغضب و الحيرة .. انتظر ان تسترسل فى حديثها .. ان تنهى ما جاءت من اجله .. لكن لم ياته رد .. اصلح من وضع نظارته و هى حركة لا يؤتها الا اذا كان يشغله امرا .. هى تعرف ذلك
اذن فيم جئت
"لا لشىء .. اردت فقط ان اطمئن عليك .. على ان ارحل"
كان عليها بعد ذلك ان تنتظر ان ياذن لها بالرحيل .. و لم يطل انتظارها
"حسنا يمكنك الذهاب"
لم يطلب منها ان تتمهل .. لم يعرض عليها ان يصحبها الى مكان كى ينهوا حديث لم يبدا .. لم يطلب منها حتى ان يصحبها لمنزلها .. و هى لم تطلب شيئا .. تركته و انصرفت
" يعجبنى كيف يتحدث , و تعجبنى ملابسه ايضا "
قالتها احدى صدبقاتها .. لم تدرى اسخرية كانت ام تقدير ..نعم لديه ذوق راق فى اختيار الالوان .. لكن كل ما يرتديه يعود لقرن مضى .. لكم سمعت سخرية الناس منه حين تسير معه .. كان يرى فى ذلك تميز .. و هى ابدا لم ترى ذلك .. لم تكن فى مزاج يسمح لها بان تناقش او تفكر ..تركت صاحباتها و قررت ان تعود لمنزلها كى تنهى ذلك اليوم الطويل , فمنذ ان تركته و طوال جلوسها مع صديقاتها لم تنطق بشىء .. لم يكن لديها شيئا لتخبره .. هو فقط احساس لا تجد له معنى او حتى تعبير قد يبدو على وجهها ..
حاولت ان تنام و لم تقدر .. و عادت لذهنها فكرة ..
لم اتغير .. فليتغير هو او لاغيره انا"
نعم فلاغيره"
قررت من ذلك الوقت ان تخالفه فى كل شىء .. فى لقائهما التالى تحدثت دون ان تنتظر اذنه او ان تننتظر اجابة منه .. لم تخفض بصرها امامه .. تصرفت على سجيتها لم تتكبد عناء تصنع شخصية ما .. عندما تفرح تضحك و حينما تغضب تزيد من انفعالاتها و عندما تتاثر بشىء ما تصمت... و احيانا تبكى .. شاركت الناس فى كل شىء حتى الاطفال شاركتهم فى لهوهم .. احبها كل من فى المكان .. و ان انكروا عليها كيف ان تصاحب شخصا بمثل عجرفته و صرامته .
ارادت ان تطلعه على اشياء لم يعرفها .. ان تعلمه ان لا عيب فى الحياة .. ارادت ان تخلصه من قيود لا نفع لها .. ارادت ان تحرره من غروره الذى اعمى عنه حقيقة كل شىء .. كان عليها ان تحاول و كان عليه ان يختار
لم يردها زجره و تنبيهاته لها .. كان يعاملها كطفلة اذ كان يملى عليها كل شىء .. حتى طريقة مشيها .. لم يعر انتباهه لكل محاولاتها و لم يعر انتباها لتغيرها .. كان يسخر من كل ما تفعله ..
"الوقار شىء تفتقدينه حقا .. لكن يمكنك تعلمه .. فقط اتبعينى"
لم تكن بالشخص المتشائم و اعتادت دائما القتال من اجل ما تريد .. لكنها فقدت الامل فى ان تغيره .. احيانا تغضب من صلابته و احيانا تروق لها .. احيانا تلومه و تارة اخرى تلوم اهله و كل من فرض عليه هذه الحياة ..
تنبهت الى انه لا يتصنع شخصيته .. هو فقط هكذا .. لم تدرى اتعجبه تلك العادات و يرى انها منجى له .. ام انه بالضعف الذى لم يسمح له بالقتال من اجل ما يريد ..
اترى قاتل فى زمان مضى ؟!
انهت ما بينهم .. لم تستمع لتحذيرات اهلها .. و غضب والدها .. لم تكترث لصراخ امها او دموع كل من كان صادقا فى نصحه .. لم تتذكر شىء من اخر لقاء لهما سوى نظرة امه المعتادة اليها .. و ان لم تثنى تلك المرة على تربيتها ..
كنت اعلم انك لا تناسبينه
اما هو فلم يبدو عليه شىء .. اعتدل فى جلسته و لم يتكلم .. و كيف يفعل ذلك فى وجود والديه .. لقد ترك لهم حق اختيار عروسه لذلك من العدل ان ينهوا هم العلاقة بانفسهم .
عادت لحلمها القديم .. ارادت ان تكون و حاربت من اجل ذلك ..احترمها الجميع و ان خالفوها الراى .. لم يفهم ايا من والداها ماذا تريد او ما نفع ما تفعله .. لم تسخر منهما .. فقط كانت تكتفى بتقبل حديثهما حتى ملوا من الحديث و ملت هى من التقبل .
لم تكن حياتها سهلة .. و لم تكن شاقة كذلك .. كانت فقط حياة طبيعية .. هى لم تندم على شىء قط .. حتى بعد مورو سنوات كثر و بداها حياة جديدة .. توقع الجميع ان تتدم من اجل قراراتها... و ان اثببت لهم انها على حق .. لكن لا احد يقبل ان يكون على خطا ...حتى و ان كان ..بعدت عن منزل اهلها وواصلت زياراتها لهم من وقت لاخر .. فقد كانت ابنة بارة بحق ..
قررت فى يوم ان تذهب لاهلها و ان فاجئتهم .. بدا على الجميع الارتباك فى منزلها الا شخص واحد .. او قل عائلة واحدة تحسبها شخص واحد .. كان افرادها متشابهون فى كل شيء .. لا اختلاف بينهم سوى ملامح الوجه التى تحدد كبر او صغر كل فرد منهم .. عرفت تلك الملامح .. و عرفت من يكون ؟ توقع من حولها ان ترتبك لكنها لم تفعل .. فقط حيت الجميع بابتسامتها المهذبة و انسحبت الى غرفتها القديمة .
بعد انصراف الحضور جاءها الجميع و قد ظهر على وجوههم فضلو قاتل لمعرفة ماذا تعانى فى هذه اللحظة .. واساها البعض و انبها كثير منهم
"لا تحزنى عزيزتى .. انت افضل هكذا"
"لكم اردت ان احصل على عائلة مثلها"
"و ماذا جنيت ؟"
"اصبحت شىء "
لم يفهم الحضور ماذا تعنى .. ضجروا من فلسفة لم يقتنعوا بها ابدا .. هى ترى ان المثالية خرافة و لكى تتحقق علينا ان نتخلى عن كل شىء .. يتساوى عندنا الفرح و الالم .. لن نتعس لاننا لم نسعد .. لن نبكى لاننا لم نختبر الضحك من قبل .. فقط نكون لا شىء .. و تصبح مثاليتنا هى تراثنا .. و لا احد قد يدرك ان ميراثنا هو " لا شىء " [img][/img]