لا شك ان احد منا لايدرك معنى انتقاد التدين الظاهري المستفحل بينا كمصريين.
وفي البداية أود فقط أن أوضح أن الأمر لا يتعلق بالتعميم على الإطلاق وجميعنا نعرف مواطن الضعف والخلل التي أصابت مجتمعنا ولكننا نهاجم و بشدة كل من حاول ان يتكلم في هذا الشأن، وكأن العالم من حولنا أو من خالطنا كمصريين يعصب عليه اكتشافه
إحدى أشد هذه السلبيات تأثيراً في نفسي هي التدين الشكلي الذي وصم مجتمعنا وأصبح متناقضا بصورة فجة للغاية مع الاخلاقيات السيئة التي نعاني منها يوميا
وسأحاول هنا ان أعرض– بعض مظاهر هذا التدين الشكلي لعلنا نقف مع انفسنا ونراجعها عسى ان نتسق مع ما يعتمل بداخلنا وأن يكون ما يظهر للناس هو ما بداخلنا
الحجاب
من أقسى مظاهر حالة الازدواجية الدينية والاخلاقية الرهيبة التي يعاني منها مجتمعنا، هو ذلك الارتفاع الهائل في نسبة المحجبات مع وجود اخلاقيات في غاية الانحطاط، قنوات فضائية دينية يشاهدها الملايين وحالات اغتصاب وتحرش لا تعد ولا تحصى .. فهل منع ارتداء الحجاب تلك الاخلاقيات؟ بل هل هو حجاب بالفعل أم مظهر اجتماعي لا بد منه؟
في كتابه الرائع "ثقوب في الضمير" قسم الدكتور احمد عكاشة - استاذ الطب النفسي - أنواع ارتداء الحجاب من حيث المنزع الى:
1- انسانة استطاعت ان تتطهر في سلوكها العام وتحتاج الى نوع من الانتماء الى الشعائر الدينية فهي تتحجب وتمارس الشعائر الدينية بمعناها الصحيح وهي الصورة التي نتمنى أن تسود في مجتمعنا.
2-وهناك من ترى انها لن تتزوج الا اذا تحجبت وبالتالي فهي مجبرة على ذلك والدليل ان مثل هذه النوعية تقوم بخلع الحجاب يوم زفافها وربما تعود او لا تعود اليه بعد الزواج .. فقد ادى الغرض وانتهى الأمر.
3-وهناك حجاب التمويه ومثل هذه النوعيات نراها ترتدي قطعة من القماش التي تظهر من الشعر اكثر ما تخفي وترتدي ملابس لا تتناسب مع ما يسمى بالحجاب الموضوع على رأسها.
4-وهناك من تلجأ للحجاب لأسباب اقتصادية مثل ضعف تكاليف ارتدائه وما يستتبعه من ملابس اخرى وليس استنادا الى شعور ديني او قناعة.
5-او ان تكون المرأة قد لجأت اليه تعبيرا عن نوع من صدمة نفسية او عاطفية كانفصال الاب او الام او فقدان احد الاقارب فتبدأ في التقرب من الله وهو امر محمود بدلا من الانحراف والأهم الاستمرار عليه.
6-وهناك من تتحجب عند الإصابة بالمرض - نفسيا كان او عضويا - وما ان تشفى حتى تخلع الحجاب والعكس صحيح ايضا.
7-وهناك من تتحجب رغما عنها بسبب ضغوط عائلية واسرية او بسبب صعوبة تقبل المجتمع الذي تعيش فيه لفكرة وجودها دون حجاب .
وهذا لايعنى فساد اخلاق كل المحجبات او دعوه للتبرج انما هى بعض المظاهر المصريه فى بلادنا
نغمات دينية .. وقرآن
أمر آخر يغيظني بشدة وهو ان تسمع البعض يضعون على تليفوناتهم المحمولة "رنات" لجزء من دعاء او آيه بصوت شيخ او غيره .. وعادة ما تكون "الرنة" عالية للغاية وطويلة ويصر صاحب التليفون الا يغلقه او يرد الا اذا سمع الجميع "الرنة" الى آخرها .. ولن أعلق على من يفعل ذلك .. فقط ارجوكم ان تراقبوا بعضهم اذا ما صعدت الى السيارة او المترو فتاة او امرأة!!
وليس معنى هذا أني أشجع من يستمعون إلى الأغاني في المواصلات العامة بصوت مرتفع ومزعج او من يضعون رنات صاخبة يصرون على إسماعها للجميع "بالعافية".. فهذا أيضا تعدٍ على حريات وحقوق الآخرين
رمضان والصيام
الى الآن لا افهم سر ربط المصريين بين سرعة الغضب والصيام والذي قد يتطور الى سباب بالدين وعراك رهيب - خاصة في المواصلات العامة - خلال شهر رمضان بدعوى ان "البيه صايم" .. اليس هذا تناقضا غريبا؟ كيف يصوم شخص ما عن الحلال - فضلا عن الحرام– ويثور لأقل شيء خلال صيامه؟ هل هذا صيام؟ هل يقبل الله مثل هذا النوع من الأعمال؟ واذا كان الامتناع عن التدخين سبب ذلك الغضب .. اليس من الأجدى ان نحاول قهر هذه العادة الغبية او حتى على الأقل ان نكظم غضبنا ليخلص صيامنا .. لقد تحول هذا الأمر أيضا الى عادة صارت لصيقة بنا كمصريين.
ضعيف يستقوي على ..ضعيف
لا يخفى على أحد في مصر ما قد يفعله أصغر فرد أمن في وزارة الداخلية بمواطن لو اشتم فقط انه ضعيف او "مالوش ظهر" وقد يصل الأمر الى ضرب المواطن وسحله في الشارع بل قد يكون المضروب امرأة وقد تسحب من شعرها الى سيارة مسروقة بها بلطجية لا يجرؤ أحد على مقاومتهم - اعتقادا بأنهم من الأمن في زي مدني - دون ان يتدخل أحد خوفا من ان يناله من الحب جانب.
الكل خائف ومرتعد وتصطك اسنانه فرقا ورعبا، فيما نستطيل على بعضنا البعض ونتطاول على بعضنا البعض ويكاد احدنا يفتك بالآخر لأقل شيء وكلٌ يقول للآخر "انت ما تعرفش انا مين" او "انت عارف انا ممكن اعمل فيك ايه" وكلاهما اضعف من ذبابة ولا يقوى على شيء ولكننا "فنجرية بق" وكل هذا الصوت العالي والعيون المحمرة تزول تماما أمام الباشا "حضابط "خوفا من العصاية إياها – طبعا كلنا فاهمين !
التحرش الجنسي والاغتصاب
وهو ما لن أمل من تكرار الحديث فيه، في دولة يدعى أغلب أهلها انهم قوم متدينون ويتابعون فضائية الناس او غيرها، فيما نسمع ونقرأ كل يوم عن حادثة اغتصاب بشعة وصلت الى اغتصاب الاطفال والحوامل !! وارجو منكم ايضا –لمن لا يزال يستخدم مواصلاتنا العامة غير الآدمية- ان يراقب عيون من حوله اذا ما وقف أحدهم الى جانب امراة ما، والله إني لأشعر ان الكل يحسده ويتمنى ان يقف مكانه واذا ما صدرت منه اي حركة او اشتكت منه المرأة، و تشعر وكأن الركاب "المتدينون" يكادون يقتلون الرجل انتقاما منه على انه اخذ مكانهم بجانب الفتاة، لماذا لا نغض ابصارنا عما حرم الله ؟ لماذا نقول وننصح وننهى ونحن داخلنا خرب يحتاج الى قرون للإصلاح؟
كيف يمكن ان يقول الاخوان المسلمون مثلا اننا نمر حاليا بجيل الصحوة ؟ اي صحوة وأي مجهود ذلك الذي يبذل ولا يوجد له أي نتاج في مجتمع اصبح الحصول على البانجو فيه وتدخينه في سهولة الحصول على سيجارة؟ مجتمع لا تأمن فيه على زوجتك او ابنتك ان تسير وحدها في الطريق دون أن تسرق مصوغاتها او يتحرش بها احدهم؟ اي صحوة في مجتمع ازادت فيه معدلات الجريمة من كل نوع ؟ أي صحوة في مجتمع يهرب افراده من دفع تذاكر المترو او المواصلات العامة ليعود ليصلي العشاء في منزله؟ أي مجتمع متناقض هذا؟
[
المغالاة في المهور
وقرأت لأحد الزوار مثالا آخر يوضح لنا حجم التناقض الذي يعيشه مجتمعنا وانقله بالنص حفظا لحقه "فها هو الاب الذى يعترض على زواج ابنته من شاب بسيط ومؤهله متوسط لأنه لا يملك سوى عمل متواضع وبعض النقود القليلة، وهو نفسه -أي الأب- الذي يذهب من أجل أن يخطب فتاة ذات مؤهل عال لابنه الذي يحمل مؤهلاً متوسطاً ولا يملك شيئا سواه!!!
وها هي الأم التي تعترض على الشبكة التى قدمها خطيب ابنتها لان ثمنها لا يتعدى الخمسة الاف جنيه، هى نفسها التى تناهض وبقوة جشاعة واستغلال اهل خطيبة ابنها لاتهم يبالغون فى طلباتهم المادية دون مراعاة للظروف السيئة للشباب والغلاء المستمر للمعايش !!! ونفس الاخ الذى يعارض خلوة خطيب اخته بها خيفة ان يمسك يدها او ان يسرق منها قبلة - هى ليست طبعا من حقه – هو نفسه الذى ما يلبث ان يختلى بخطيبته او صديقته حتى يفعل معها ما يشاء !!!"
الخطاب الديني .. والسياسة
ولماذا نذهب بعيدا، فحكومتنا نفسها مصابة بالداء نفسه حيث تناقض ما تدعي انها قوانين صيغت لحفظ المجتمع .. الم يدعو شيخ الأزهر الى الذهاب للانتخابات مؤكدا أنه واجب ديني وان من لا يفعله يأثم في وقت دعت فيه قوى المعارضة الى المقاطعة .. اليس هذا هو نفسه استخدام الدين في السياسة والذي اعتقل بموجبه عدد من جماعة الاخوان المسلمين لاستعمالهم الشعارات الدينية خلال انتخابات مجلس الشعب؟
وختاما .. فهل هي بلدنا التى يمكن أن نفخر بها ؟.. هل هذه هي مصر الحبيبة ؟ مصر التي ذكرها الله تعالى في كتابه وامتدح رسوله الكريم اهلها .. كيف لنا ان نرضى ان تصبح بلدنا بهذا السوء والانحطاط ..
عندي يقين لا يتزعزع ان ما نعانيه من استهتار الحكومات المتعاقبة بقيمتنا الانسانية ما هو الا مردود لتصرفاتنا وأفعالنا .. فمن أعمالنا سلط الله علينا هذه الحكومات المتعاقبة التي أذاقتنا الهوان وعرفنا معها معنى الذل وجعلت الشباب يفقدون انتماءهم لبلدهم ويشعرون انها ملك لأمثال تجار الحديد والاسمنت والسلاح والمواد الغذائية .. ولو ان كل منا بدأ بنفسه واهل بيته لانصلح الحال ولكن .. هل من مجيب ؟
منقول
ارجو التعليق
تحياتى لكم
العنيده