االكورتيزون سلاح ذو حدين وعلاج لا يمكن الاستغناء عنه ولكن لابد من
الإشراف الطبي .
انتهيت من فحص المريض واخبرته عن حالته ثم قلت له .. لقد كتبت لك دواء
يحتوي على مادة الكورتيزون .. لم يدعني اكمل ارشادات استخدام الداواء .. فقال
: ماذا ؟ كورتيزون ؟ .. قالها وقد احمرت عيناه ، وانتفخ خداه وبرزت عروقه
، ونظر الي محملقاً ... وبدأت اشعر وكاني قد ارتكبت خطأً فادحا لا سمح
الله .
فهدئت من روعته ، وطلبت منه ان يجلس فاذعن لما طلبت ، ثم رحت اساله : ولكن
ماذا تعرف عن الكورتيزون ايها الاخ الكريم ؟:
فرد علي بنبرة حادة : الكورتيزون دواء خطير وله آثار جانبية كثيرة ومعروفة
ويجب على الانسان الا يتناوله ، هذا ما عرفته من المجالس والاصحاب ، ثم
صمت وانتاب العيادة سكون للحظات ... ولما ادركت ان الوقت قد حان كي ادلي
بدلوي بدأت اخبره بقصة الكورتيزون وما هي منافعه واضراره .
من المعروف ان الادوية سلاح ذو حدين ان احسن استخدامه افاد بإذن الله وان
اسيء ادى الى عواقب وخيمة لا سمح وهو عبارة منتج هرموني طبيعي مفرز من
قشرة الغدة الكرزية الموجودة فوق الكليتين ويخضع افرازه لاعتبارات عديدة وتحت
سيطرة تامة ومحكمة من الجزء الامامي للغدة النخامية : وهذا ايضاً يخضع
للسيطرة الدماغية من منطقة في الدماغ تحت المهاز . وسبحان الخالق في ابداع
خلقه لان اي اختلال او عطل في هذا التوازن يؤدي الى امراض وعلل عديدة .
ويفرز الجهاز البصري حوالي 5 – 7.5 ملغ من الكورتيزون يومياً وهذه القيمة
ضرورية جداً من اجل اكتمال مسيرة النمو البشري اذا علمنا ان مستوى
الكورتيزون الفيزيولوجي المفرز من الجسم ضروري جداً للعديد من العمليات
الاستقلابية في الجسم حيث يحافظ على معدل السكر في الدم ضمن الحدود الطبيعية .
ومن المعروف ان سكر الدم هو الغذاء الرئيسي للدماغ ، فالكورتيزون يقوم
بتصنيع السكر من مواد غير سكرية (بروتين وحموض امينية) عند حاجة الجسم لذلك .
وللكورتيزون استعمالات عديدة في مختلف شعب الطب وبشكل اكثر انتشاراً في
الامراض الجلدية .كأمراض الحساسية مثل الاكزيما ، الربو ، التهاب الانف
التحسسي والارتكاريا . وقد يكون الكورتيزون العلاج الوحيد الفعال لمثل هذه
الامراض ناهيك عن استعمالاته الواسعة في الامراض المعروفة بامراض المناعة
الذاتية مثل الذئبه الحمراء ، الروماتيزم وغيرها .
ويتوفر الكورتيزون على هيئة حبوب ، مراهم ، كريمات ، ابر عضلية ، وريدية ،
بخاخات عن طريق الانف ، قطرات ومراهم عينية .
ان استعمال الكورتيزون بجرعات قليلة ولفترات يحددها الطبيب عادة ما تكون
آمنة من دون ظهور مضاعفات تذكر ، اما عند استعماله بجرعات عالية ولفترات
طويلة فقد يؤدي لبعض المضاعفات .
وتتلخص مضاعفات الكورتيزون في حدوث زيادة نمو الشعر ، ارتفاع ضغط الدم ،
هشاشة العظام ، زيادة معدل السكر في الدم ، زيادة الوزن ضمور ورقة في الجلد
، توسع في الشعريات الدموية وحدوث التشققات الجلدية .
ان الاستعمال الصحيح لكورتيزون والموصوف من قبل الطبيب المعالج وبالطريقة
الصحيحة يجنبنا الوقوع في مضاعفات الكورتيزون .
والسؤال الآن لماذا اصبح الكورتيزون ((بعبع)) المجالس ؟
ان الاستعمال الخاطئ للكورتيزون من قبل عامة الناس كثيراً ما يؤدي الى
حدوث هذه المضاعافات ومن ثم يتناقل الناس هذه الاحاديث والاقاويل من مجلس الى
اخر . كل هذا ادى الى اعطاء الكورتيزون هذا الاسم غير الجيد ، فاصبح
الحصول على الكورتيزون امراً في غاية السهولة فكم من صبية اتت الى عيادتي تشكو
من تشققات جلدية نتيجة تناولها حبوباً او كريمات الكورتيزون الموصوفة من
صديقاتها علها تزداد وزناً لتصبح اكثر جمالاً ثم تأتي الى العيادة وكلها
حسرة وندامة على ما فعلت .
هذه هي قصة من القصص التي نمر بها نحن اطباء الجلد خلال ممارستنا اليومية
مع الكورتيزون . فالكورتيزون نعمة في حسن استعماله ، ونقمة في سوء
استعماله . وانصحكم بعدم استعمال الكورتيزون جزافاً دون مشورة طبية فالطبيب وحده
العالم بعد الله بمحاسن الكورتيزون ومساوءه .