الإقناع "فن" بكل ما تحمله هذه الكلمة من مدلولات، وبالرغم من محاولة الكثيرين ممارسة هذا الفن، إلا أن القلة القليلة فقط تلك التي أجادته.
فيما يلي يعرض "كنت كورتس" لثلاث من مقومات فن الإقناع التي يعتبرها الأساسيات الثلاث فيقول أن على القائد أن يُفَعِّل مقومات فن الإقناع إلى حدها الأقصى وأهمها:
1. تفهم الأفراد
2. الاستخدام الفعال للكلمات
3. القدرة على إدارة النزاعات
1. تفهم الأفراد:
سر نجاح بونابارت، كقائد، بسيط... إنه تفهم حاجات الآخرين أولاً،ثم سعى نحو إرضائها.
كان نابليون بونابرت سيداً في فن الإقناع لأنه فهم الآخرين. القلة من القادة الذين عرفهم التاريخ كانوا قادرين على استمالة واستثارة الآخرين للقيام بالأعمال الموكولة إليهم كما كان نابليون بونابارت. أما سر قيادته الناجحة فقد كان بسيطاً جداً: لقد حدد أولاً الحاجات الملحة للأفراد الذين يقودهم، ثم عمل على مساعدتهم بكل ما أوتي من قوة ليبلغوا أو يحققوا هذه الحاجات. الكثير منا يتخذ المسلك المعاكس تماماً: نحن أولاً نقرر ما الذي نريده ، ثم نحاول إقناع الآخرين بأن يرغبوا بذات الشيء الذي نرغبه نحن وبالطريقة السيئة نفسها التي نسلكها...
إن فهم الآخر يحتاج إلى الإنصات بشكل فعال. عندما يظهر القائد رغبته بالاستماع، ويستمع للآخرين فعلاً بشكل جيد، فإن هذا يعني أنه يكن احتراماً لهم، وأنه مهتم بمعرفة الحقيقة، و يريد تحقيق تغيير إيجابي في حياة الآخرين. إن عملية الإنصات تعبر عن الاحترام وتبني علاقات من الثقة. هذه العلاقات تعتبر المصدر الأساسي لمقدرة القائد على الإقناع.
كذلك، يحتاج إقناع الآخرين إلى الإحساس باحتياجاتهم، والقدرة على رؤية الأشياء من وجهة نظرهم. أن تضع نفسك مكان الآخر في معاناته يدعى "التقمص العاطفي"، وهذا أمر هام جداً في جميع العلاقات الإنسانية، وخاصة علاقات القيادة.
من المأثور عن فينس لومباردي Vince Lombardi قوله " إن المدربين الذين يجيدون رسم الخطوط الرئيسية للعبة ما على لوح الطبشور كثيرون، ولكن أعطني قائداً يمكنه أن يدخل إلى أعماق لاعبيه، أن يكتشف مواهبهم، يقرأ أفكارهم، ويحفزهم".
2. الاستخدام الفعال للكلمات
أهم ما في الأمر أن تقول الحقيقة بكلمات نابعة من القلب لا زيف فيها ولا مراء...
يمكن استخدام المفردات بشكل فصيح وواضح من أجل إقناع الآخرين القيام بالعمل، خاصة في الأوقات العصيبة. إن عقيدة القائد التي تنتقل من خلال كلماته التي يتفوه بها يمكن أن تكون عاملاً حاسماً في مجريات الأحداث. يمكن أن تتعلم بعض مهارات التواصل من خلال بعض الدورات التدريبية، إلا أن الشيء الأكثر أهمية من طريقة الإقناع والأساليب التي تتبعها هو أن تقول الحقيقة وأن تكون كلماتك نابعة من القلب. هذان العاملان ضروريان لبناء الثقة والمصداقية، إنهما المقومان الأساسيان للقيادة الناجحة. النصيحة الذهبية للقائد أن ينسى "الأنا" الشخصية... عوضاً عن ذلك ركّز على الجمهور، خذ بعين الاعتبار الأمور التي تهمهم وخاطب اهتماماتهم بصدق ومباشرة ودقة.
3. القدرة على إدارة النزاعات
النزاع أمر لا يمكن تفاديه في العلاقات الإنسانية، ومهارتنا تكمن في تحويل النزاع من نزاع هدّام إلى نزاع بنّاء.
لا يمكن تجنب تضارب الأهداف وتعارض الآراء الشخصية في العلاقات الإنسانية، بل إن هذه الظاهرة لا بد من وجودها ضمن المجموعة الواحدة في بيئة العمل الطبيعية، ودون دراية وتمرس بإدارة النزاعات، سيبقى القائد بعيداً عن تحقيق ما يصبوا إليه من مجموعته. هناك العديد من الطرق المتبعة في إدارة النزاعات، منها:
• إدراك أن النزاع أمر طبيعي.
• المسألة ليست مسألة وجود نزاع أم عدم وجوده في الحياة- النزاع موجود. كل منا له طبيعته المختلفة عن الآخر... المسألة هنا كيف نتعامل مع النزاعات.
• يمكننا أن ننظر إلى النزاع إما كمشكلة وإما كفرصة للتقدم.
لنا الخيار في التجوال في نطاق المسألة فإما أن نختار المنطقة السلبية أو الإيجابية. ومع اختيارنا للتفاؤل والتسامي فوق التشاؤم سنجعل من الأحداث محفزاً لنا ، ونصبح أكثر تركيزاً على محاولاتنا وجهودنا.. ومع الطاقة المحفزة والتركيز سنكون أكثر جاهزية للتعامل مع النزاعات وبلوغ الأهداف.
• التعامل مع النزاعات نادراً ما يكون لتحديد من هو على صواب ومن هو على خطأ، بل هو غالباً ما يتناول الحاجات المختلفة التي يتطلع إليها الأفراد. فلو أن احتياجات كل إنسان تم إرضاؤها بشكل عقلاني، ولو نُظر إلى رغباتهم بعين العدل، فقد يصبح النزاع شحنة من الطاقة يمكن أن ينتج عنها وضع أفضل بالنسبة للجميع.
• السؤال الهام الذي يجب أن يطرح هنا هو: هل جميع الأطراف تريد حل النزاع، وهل تمتلك هذه الأطراف النية السليمة في حل النزاع. إذا كان الجواب لا، فإن أفضل طريقة هي الاتفاق على عدم الاتفاق to agree to disagree. استدع حلاً من طرف ثالث، واسلك مسالك متفرقة. كل دارس للتاريخ يعرف أن الحرب هي الخيار غير المقبول.
من أهم العوامل المساعدة على حل النزاع إعادة تشكيل المشكلة
• إذا كان الأفراد يرغبون في حل النزاع فقد يكون من المفيد إعادة تشكيل المشكلة. إعادة التشكيل يتطلب أن ينظر كل فرد إلى المسألة من وجهة نظر الآخر. انظر إلى المشكلة من وجهة نظر الزبون، من وجهة نظر الموظف، أو من منظور صاحب العمل. غالباً ما تؤدي هذه الطريقة إلى كسر الحواجز وإيجاد حل للمشكلة.
القائد الفعال، هو ذاك الذي يعرف أن النزاع أمر لا يمكن تفاديه في الحياة البشرية، وأنه لا يمكن لاثنين في هذا العالم أن ينظرا إلى أمر واحد بالعين نفسها، وأن ما نحتاج إليه هو النزاع الخلاّق وليس النزاع الهدّام.
--------------------------------------------------------------------------------