عندما يتم قطع الأشجار، فإن بذورها وأزهارها المتساقطة، فضلاً عن بقايا الأشجار الناتجة عن القطع والتنظيف، من أوراق ولحاء وأفرع، تنتهي جميعها إلى التعفن، فتطلق كميات كبيرة من الكربون في الجو.
كذلك ينتج الكربون من الفضلات العضوية الناجمة عن تصنيع الأشجار، بفعل حرق البقايا كاللحاء ونشارة الخشب في مصانع توليد الطاقة أو لتشغيل المصنع نفسه.
ناهيك بزيادة خطر اندلاع الحرائق بفعل وجود المواد الهشة والجافة من ناتج قطع الأشجار أو تقليمها، وبذلك تزيد مخاطر اندلاع الحرائق، الأمر الذي يزيد من إطلاق الكربون في الجو نتيجة زيادة مخاطر الحرائق لوجود الأجزاء الجافة من أفرع الأشجار وأوراقها.
كما تنطلق الغازات الدفيئة بفعل حراثة الأرض وقلب تربتها المليئة بالجذور المتعفنة التي تطلق الكربون أيضاً، وبفعل استخدام السماد كذلك. هذه الأسباب مجتمعة تؤدي إلى زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو وبالتالي تساهم في ظاهرة الانحباس الحراري العالمية.
وإذا افترضنا أن الانحسار في مساحة الغابات في العالم في تعاظم متواصل بفعل توسع الرقع الزراعية والإحراق المتعمد للغابات، والتوسع في إنتاج محاصيل الوقود العضوي واستخدام الأخشاب للصناعة وللوقود وما إلى ذلك، فإننا نتحدث عن انحسار قد يبلغ نحو 10% في عام 2010. وهذا مؤشر خطير ينبغي تداركه من قبل المنظمات العالمية قبل فوات الأوان.
وربما يتحقق ذلك بالتوجه نحو إنتاج الوقود العضوي من المصادر غير الغذائية، كشجر الجاتروفا والخروع والهيلوبا ومن مواد عضوية كالسيليلوز والطحالب. وقد شرعت دول كثيرة في زراعة هذه الأنواع من الأشجار التي لا تحتاج إلى ري أو إلى عناية كبيرة، فلماذا نحن عازفون؟
والغابات هي موائل لانواع حيوانية ونباتية كثيرة تحافظ على التربة من الانجراف وتحفظ رطوبتها التي تطلق البخار لتشكل السحب الماطرة. وهذه الانواع هي مصدر للطاقة والغذاء والعقاقير وتنشر الظلال وتمتص ثاني أكسيد الكربون وتخزن الكربون الفائض عن حاجة الأرض وتجمع الأغبرة والملوثات الإشعاعية الموجودة في الجو.
ولا شك في أننا نسمع عن حرائق الغابات في بلادنا وفي العالم؛ والتي تنشأ بفعل الاستهتار والافتقار إلى الوعي العام بأهمية الأشجار؛ فالأشجار تساهم في التخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون وتنقية الجو من الأتربة والعوالق، ونحو ذلك من فوائد جمى لا تحصى.
فمن المعلوم اليوم أن الدونم الواحد في الغابات يجمع ما مقداره نحو ستة أطنان من الأغبرة سنوياً. وفوائد ذلك جمة، إذ تتم تنقية الهواء من الأغبرة والبكتيريا والأمراض الأخرى العالقة بها، وأيضاً من الإشعاعات التي تكون عالقة بها. ثم تقوم الأمطار بغسلها فيما بعد عندما تمطر السماء ويتم توزيع هذه العوالق على التربة بانتظام؛ فتحد الأغبرة من انجراف التربة وتساهم في تغذية جذور الأشجار بالعوالق الحية التي تذوب في الماء.
إنّ مئات البلايين من أطنان الكربون الموجودة في غاز ثاني أكسيد الكربون تتحول إلى مواد نباتية كل عام بفعل وظيفة الأشجار الطبيعية، فإن تناقص الغابات سوف يزيد من ثاني أكسيد الكربون في الجو وسوف يؤدي إلى زيادة حمضية مياه البحار نتيجة ذوبانه في المياه السطحية للبحار بفعل الأمطار وبفعل التماس المباشر بين الغلاف الجوي والأسطح المائية. فما هي نتائج ذلك على البيئة العالمية؟
تعتبر التربة الخصبة التي تقوم عليها الغابات مدافن كبرى للكربون بفعل سقوط أوراق الأشجار وأغصانها وثمارها، ومن ثم اختزانها في التربة تحت الأشجار مباشرة. وتقدر كميات ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها الغابات حلولاً مهمة لمعالجة ظاهرة الانحباس الحراري، إذ تمتص الغابات في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 6ر10% من إنتاجها من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج بفعل احتراق الوقود الأحفوري، فيما تساهم الأشجار المزروعة في المناطق الحضرية بنحو 5ر1% إضافية. وهذه الإحصائيات ينبغي أن تحفزنا على زراعة الأشجار في المدن والقرى والريف والصحارى سواء بسواء.
وإذا شاءَت الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، أن تلتزم باتفاقية كيوتو لتخفيض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7% عما كانت عليه في عام 1990، فإنّ عليها أن تقوم بزراعة مساحات تعادل مساحة ولاية تكساس بأكملها، إلى جانب المحافظة على الغابات التي تمتلكها سليمة معافاة. فهل هذه المشروعات البيئية والإنسانية على جدول أعمالها؟
فإذا شاءَت الدول العظمى الثماني G8 أن تلتزم بتصريحات قمة اليابان تموز 2008 بتخفيض 50% من الانبعاثات الدفيئة بحلول عام 2050 عليها أن تبدأ من الآن وألا تتذرع بالتزام الصين والهند بتخفيض إنبعاثاتها، ذلك لأن الدول العظمى الثماني وحدها تسهم في 62% من التلوث العالمي.