حذَّر تقرير لصحيفة جارديان البريطانية من "كارثة شاملة بيئية واقتصادية وسياسية واجتماعية تهدِّد مصر"، بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر بما يهدِّد بغرق دلتا النيل، إلا أن خبيرًا بيئيًّا مصريًّا استبعد غرق الدلتا قبل 30 إلى 40 عامًا.
وكان عدد من علماء الجيولوجيا المصريين حذَّروا في وقت سابق من أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الاحتباس الحراري سيؤدِّي إلى زيادة في درجات الحرارة بمعدل 5 أو 6 درجات وزيادة منسوب مياه البحر بـ 1.5 متر وبحلول عام 2020 ستمتدُّ هذه النتائج إلى 15% من أراضي دلتا النيل.
وأشارت الصحيفة إلى أن تقريرًا صدر عن اللجنة الحكومية للتغيُّر المناخيّ التي يرأسها نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل جور، وضع دلتا مصر بين أكثر ثلاث مناطق في العالم معرَّضة للغرق بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار، نتيجة ذوبان الجليد من القطبين نظرًا لارتفاع حرارة الكوكب.
وحذَّرت الصحيفة من تعرُّض أراضي الدلتا في مصر للنحر، مشيرةً إلى أن العديد من المزارعين أصبحوا يصرُخون بأن أراضيهم تتعرَّض للتآكل وأن المياه تغزوها، خاصة بعد أن بلغ النحر في بعض المناطق ما يزيد على مائة متر سنويًّا، وأضافت أن الدلتا تبدو كمنطقة تَمَّ توقيع مذكرة إعدامها بالفعل.
وتشير الصحيفة إلى أن بعض المناطق التي كانت تُعرف بوصفها أراضٍ زراعية، أصبحت الآن مليئة بمياه ارتفاعها حوالي نصف متر، مضيفةً أن مصر تأثَّرت كثيرًا بظاهرتي التغير المناخي والاحتباس الحراري، وأن الأرض التي كانت تعتبر محلّ زراعة القمح للإمبراطوريات القديمة أصبح سكانُها يعانون من غياب المساحة التي يسكنونها حتى أصبحوا يستوطنون المقابر.
ونبَّهت إلى أن التقارير العالمية التي تَمَّ إعدادها منذ عامين أكَّدت أن الدلتا من بين أكثر ثلاث مناطق في العالم معرضة للغمر بالمياه، وأن أكثر التقديرات تفاؤلًا حول ظاهرة الاحتباس الحراري يتنبَّأ باضطرار ملايين المصريين لمغادرة أراضيهم في الدلتا بعد غمرها في الماء.
ويعتبر الدكتور "ريك توتويلر" أن ما يحدث في الدلتا يشبه ما حدث في بنجلاديش من قبل، مشيرًا إلى أن الدلتا بها كل المواصفات اللازمة لحدوث «الكارثة المثالية» سواء من التعداد السكاني الكبير وما يسببه من ضغط على الموارد الطبيعية مرورًا بالتلوث الناتج عن السيارات والكيماويات المستخدمة في الزراعة، بالإضافة لارتفاع منسوب البحر بما يهدِّد الأراضي الزراعية.
وتشدِّد الصحيفة على أن هناك العديد من الأخطار الأخرى التي تتهدَّد الدلتا في الوقت الحالي، ومن أبرزها تنامي ظاهرة البناء على الأرض الزراعية، فضلًا عن تراجع خصوبة أراضي الدلتا بشكل لافت، حتى إن مزارعي الأمس كانوا ينفقون بضعة جنيهات فقط لإعداد أرضهم للزراعة، أما مزارعو اليوم فينفقون نحو 8٠٪ من أرباحهم على المخصِّبات، فقط لإبقاء المحاصيل على قيدِ الحياة.
وتشير الصحيفة إلى أن النظام المصريّ لا يهتمُّ بالبيئة كثيرًا إلا إذا ما تعلَّق الأمر بمصالح الطبقة الغنيَّة المقرَّبة من النظام، فهو يعتدي على البيئة وعلى الأرض الزراعية لإقامة مصانع في دمياط، ولصالح عائلة "بدراوي" التي وصفها التقرير بـ"ذات النفوذ" في الدقهلية.
وتحذِّر الصحيفة من أن الكثير من المسئولين المصريين يتعاملون مع ظاهرتي الاحتباس الحراري والنحر على أنهما غير حقيقيتين، بينما يرى آخرون أنهما أكبر من أن يفعل الإنسان شيئًا بشأنهما.
من جانبه أوضح الدكتور سامر المفتي خبير البيئة العالمي والأمين العام السابق لمركز بحوث الصحراء أن بداية الحديث عن تأثير التغيرات المناخية بدأ منذ التسعينيات من القرن الماضي، حيث أشارت دراسات إلى أن ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين مئويتين سيعرِّض منطقتين في العالم للغرق هما دلتا النيل وبنجلاديش بسبب تمدُّد مياه المحيطات وذوبان الجليد.
واستنكر دكتور المفتي، في معرض تعليقه على تقرير صحيفة جارديان عن كارثة شاملة تهدِّد الدلتا، بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، وقيام بعض المسئولين بإنكار واستبعاد الحديث عن غرق الدلتا قائلا: "المشكلة أن الدلتا عندما تغرق لن يكون في زماننا، فالتنبؤات تقول إن هذا لن يحدث قبل 30 إلى 40 عامًا، لذلك لا بدَّ من التَّحسُّب من أجل أحفادِنا، وليس معنى أني في السلطة اليوم أنكر القضية لأنها لن تقع في عهدي.
وأضاف أن التوقُّعات تشير إلى أنه بحلول عام 2100 يمكن أن يصل ارتفاع منسوب مياه البحر إلى 90 سنتيمترًا، وبالنظر إلى بعض المناطق في الشواطئ المصرية فإن هذا المعدل من شأنه أن يغرقها وفي مقدمتها دلتا النيل التي يشرح أنها في البداية كانت عبارة عن خليج من البحر المتوسط ومع تسرُّب الطمي إليها بمعدل 100-300 طن سنويًّا ردمت هذا الخليج وأوجدت الدلتا لتصبح نموذجا مثاليًّا للسهول الفيضية على مستوى العالم، حيث يقوم الطميُ بدور البناء مقابل عمليات النحر التي تسبِّبها التيارات البحرية، ليكون البناء بنسبة 60 في المائة مقابل 30 في المائة نحرا.
وطالب سامر المفتي أن تبدأ الدولة في مواجهة هذا الخطر ككيان واحد، وليس كمجموعة من الكيانات المتناثرة التي لا علاقة فيما بينها قائلا: "لا بدَّ من جدِّيَّة أكبر في مواجهة المشكلة لأننا في مواجهة كارثة حقيقية، ولا أقول إنه لا يوجد اهتمام على المستوى الحكومي لكن الاهتمام بطيء ولا بدَّ أن نعمل من الآن».
واقترح الخبير البيئي العالمي أنه في حال أثبتت الدراسات بشكل مؤكَّد غرق الدلتا بسبب التغيرات المناخية فلا بدَّ من العمل على مستويين، أولا على المستوى المحلي الذي كان من المفترض أن يبدأ مبكرًا عند إقامة الطريق الدولي الساحلي الذي كان من المفترض أن يؤخذ في الاعتبار وقتها تقرير الأمم المتحدة الذي حذَّر من غرق الدلتا، بالعمل على رفع مستوى الطريق حتى يكون حاجزا أمام ارتفاع مستوى البحر، وأن يكون مغلقًا ولا يمرُّ على كباري.
أما المستوى الثاني الذي يجب العمل عليه فيكون إقليميًّا، حيث اقترح خبير البيئة العالمي الدكتور عبد الفتاح القصَّاص عام 90 فكرة إقامة قنطرة عند مضيق جبل طارق وأخرى عند مضيق باب المندب بحيث تمنع تأثير ذوبان الجليد وتمدّد المحيطات على البحر المتوسط والأحمر والأسود باعتبارها بحار داخلية لن تتحمل التأثير المدمّر لارتفاع مستوى المياه، مضيفًا أن هذا المشروع الإقليمي لا بدَّ أن تشترك فيه الدول المُطِلَّة على هذه البحار بكاملها.
وأخيرًا استنكر دكتور سامر المفتي الدعوات التي تتحدث عن خطط تهجير إلى سيناء وتوشكي في حال غرق الدلتا، موضحًا أنه ما دامت هناك إمكانية لإنقاذ الدلتا فلا بدَّ أن ينصبَّ الجهد كله على ذلك.