حبيبة بابا بقلم عمر طاهر

حبيبة بابا
كان محمد ثروت المطرب الرسمي لطفولتنا وكنا نثق به ثقة عمياء علي الرغم من أنه قدم لنا في أحد الكليبات طفلة ما باعتبارها حبيبة بابا «رشا» ثم قدم لنا الطفلة نفسها في كليب آخر باعتبارها (مني يا مني ) وهي الطفلة التي عندما كبرت اكتشفت أن اسمها (هدير ) أصلاً، أحببناه وحلقنا معاه خلف طيور النورس وآمنا بحكمة الأغنية القائلة إن (حياة البحر أحلي حياة) للدرجة التي جعلت معظم أبناء جيلي يقفز في زوارق حقيرة هربًا من البلد، وعلمتنا أغنية (جدو علي ) أسماء جميع الحيوانات ولم نكن نعرف أن ثروت يسبق الزمن وهو يخبرنا قبل سنوات كثيرة أن الحيوانات ستكون الكارثة التي سيعايشها جيلي من خنازير وبط وطيور وفئران ناقلة للطاعون وجمال بنكهة الحمي القلاعية، أحببنا ثروت في كل الأحوال وتبادلنا في الطفولة الألبوم الذي يحمل أغنياته التي ما إن تمر في ذاكرة أحدنا اليوم حتي يسترجع الحالة التي كان عليها وقتها بكل مشاعرها وكأنه يعيشها علي الهواء .

في زيارة لأحد أصدقائي اكتشفت أن الأغاني التي يرددها طفله هي (اللي يزعل بابا ..نوتي) للست هيفاء، و(شخبط شخابيط) للست نانسي، وأبدي صديقي انزعاجه من أن تصبح هيفاء ونانسي من مطربات فترة الطفولة في حياة ابنه، وأراه محقًا في ذلك، فالطفل الذي ارتبط عاطفيا باللي يزعل بابا نوتي ثم يري هيفاء في بقية كليباتها التي هي أصلاً( نوتي في نوتي) كيف ستتكون رؤيته للحياة؟، عندما يبدأ الطفل حياته وهو مرتبط بمطربة تهز مؤخرتها وهي ترتدي بنطلون أحمر ضيقًا كيف ستكون نظرته للأمور فيما بعد؟، من المؤكد أن هذا الطفل عندما يكبر وينجب سيدخل تعديلات مهمة علي الحكايات التي سيسلي بها أطفاله قبل النوم فسيحكي له أن السندريلا استعانت بالساحرة لا لتوفر لها فستانا تذهب به إلي الحفل ولكن لتوفر لها طبيباً يمتلك عيادة سرية لإجراء عمليات الإجهاض، ولن يقول له إن الأمير ظل يبحث عن السندريلا بعد الحفل ليتزوجها ولكن السندريلا هي التي أخذت تبحث عن الأمير لتجرجره إلي المحاكم لعمل تحليل الـ«دي إن إيه» لأنها رفعت ضده دعوي إثبات نسب، ولن يقول له إن ذات الرداء الأحمر كانت تعيش مع الأقزام في سلام ولكنه سيخبره أن ذات الرداء الأحمر كانت (مصاحبة اتناشر قزم وعايشة معاهم في شقة قانون جديد)، وسيخبره أن علي بابا كان متزوجًا من مرجانة زواج مسيار، قد تعتقد أنها رؤية ساخرة لكن صدقني هكذا تسير الأمور مثل كرة الثلج التي تتضخم مع كل خطوة من القمة إلي السفح.

كانت أغاني الطفولة من حسن ظننا هدية من ناس أفاضل مثل الفنان محمد ثروت، لم يخدش بكارتنا واحترم أبواب البيوت التي فتحت في وجهه وهي تأتمنه علي أمخاخ أطفالها، حتي الغلطة التي وقع فيها إحنا مسامحينه عليها ( وهي غلطة استثمار الإعلام الحكومي لتعلقنا به كأطفال في ربطنا عاطفيا بالنظام وضمان ولائنا له بأن جعلوه مطربا وطنيا، سامحناه لأننا عندما كبرنا عرفنا أن مصر حاجة والحكومة حاجة تانية، وبقيت الأغاني في قلوبنا تحمل رائحة الأيام الجميلة التي كنا نري فيها ثروت يغني ببدلة الشرطة وخلفه قوات الإنقاذ النهري).

المهم.. حاولت أن أعرض علي ابن صديقي أغاني طفولتي، فبحثت علي اليوتيوب عن أغنية (حبيبة بابا رشا )، شاهدناها سويا وكان سعيدا بها جدا وكانت علي وجهه ابتسامة رائقة، طلبت من أبيه أن يجعله يشاهد هذه الكليبات وطلبت منه أن يحضر له أوبريت الليلة الكبيرة علي اسطوانة، ولكن عند انصرافي وبينما أودع صديقي عند الباب كان طفله يجري في البيت وهو يغني بصوت عالٍ (حبيبة بابا..نوتي).