الحروف تتناثر كما يتناثر المجتمع المصري بفعل أزماته المتتالية، ثمة فريق يدافع عن حقوق القضاة، المحامون يهتفون من أجل قضيتهم، وعلى أبواب مجلس الوزراء جلس المعتصمون أملا بمرتبات أعلى تحقق لهم حدا أدنى لحياة بشرية طبيعية.
على المقاهي المصرية تستطيع أن تحصي مرادفات الجالسين، أحاديثهم غالبا تتضمن قوام المطربة التى تتلوى كثعبان يحوم حول فريسته، المسكينة فشلت في دخول الوسط الفني بسبب تواضع إمكانياتها الصوتية، فاعتمدت على إمكانيات أخرى في زمن ندر فيه وجود يوسف الصديق.
بسطاء الشعب يهتمون بالجنس هربا من ضغوط الحياة، وعلى المقهى أيضا تستطيع مشاهدة مباريات ودية ودولية، هذا الرجل يقفز من على مقعده الخشبي كل دقيقة تقريبا وهو يصرخ في وجه التلفزيون "إلعب حلو يا بني آدم"، ويستمر الرجل في القفز والصراخ، وأنت تشفق عليه من أمراض القلب والضغط والسكر، معاناة المرضى في مصر تجعلك تترحم على هؤلاء البسطاء الذين يفرغون جل طاقاتهم وغضبهم موجهين السباب لشاشة تلفزيونية وضعها صاحب المقهى لتجذب زبائن أكثر "والرزق يحب الخفية".
سؤال عابر يمر بمخيلتك وأنت تتناول كوبا من الشاي ... لماذا تعالج الدولة الوزراء وزوجات الوزراء خارج مصر ولا تهتم بأبناء الوطن!!.
يتجهم وجهك وأنت تفكر كيف يمكن لوزير الصحة أن يعالج زوجته خارج بلده ووزارته ومستشفيات سيادته تحت أمره، إنه اعتراف رسمي بفساد الصحة في مصر، والفساد معدي، لا تتناول كوبا من المياه قبل كل صباح، غالبا المياه ملوثة، وإذا كنت تشكك في حديثي، فقط أدعوك وبمنتهى الجدية أن تدقق النظر في كوب المياه تحت ضوء ساطع، سترى الفساد أيضا يسبح داخل كوب المياه.
انتهت المباراة بخسارة الفريق الأسود، وجوه الزبائن بائسة يائسة، حتى الفريق انهزم، كأحلامهم التي لاقت شر هزيمة.
يشاهد المصريون برامج الـ(توك شو) فيتحولون معها إلى باحثين سياسيين، يحاولون تحليل القضايا الشائكة، بعضهم يكتب في مدونة إلكترونية، وآخرون يسجلون اعتراضهم على الأوضاع من خلال الموقع الأشهر (فيسبوك)، ونفر منهم يجلس أمام نقابة الصحفيين لإيمانه بأن التغيير قادم.
تجلس على أريكة منزلك وأنت تفكر في أحوال المصريين، لماذا يتحدثون عن التغيير وهم له كارهون، ينادون بالإصلاح من على مقاعد مقاهي وسط البلد، أحزابهم الهشة تعارض بسياسة (الرؤوس المنخفضة)، وانخفض ضغطهم بسبب الارتفاع المستمر في درجات حرارة الصيف وأسعار الخضروات والفاكهة، تعود لتتأمل كيف يهرب البسطاء إلى الجنس أحيانا أو يصرخون بكل حماسة في مباراة كرة قدم، وربما يفرغون شحنتهم بواسطة إعلامي جعل من برنامجه (أداة تنفيس).
أعتقد أن تلك الأدوات الوقتية سينتهى مفعولها عما قريب، فالغضب الخامد كبركان آثر أن يعيش الجميع في سلام وأمان، ولما تمادى بعضهم في ممارسة المحظورات بجواره، انفجر ولم يسمح لأحد بمفاوضته، احذروه يرحمنا الله من شر أفعالكم.