المثل مصري من قصة تروى انه عندما شب حريق في احد الحمامات، خجل البعض من الخروج من المكان وهم عرايا، في حين لم يبال البعض الآخر وخرج بعورته، الذين «اختشوا .. ماتوا» طبعا في الحريق.
وهنا اسمحوا لي أن اصور الحدث كما هو، حريق وحمام دم غزة. فيه تموت الناس العرايا، يموت أضعف الناس، الاطفال والنساء والعزل في بيوتهم، لأنهم الهدف السهل لعدو غاشم لا يرحم. أما مسلحو حماس فلم نر لهم بعد حضورا، رغم بطولاتهم الكلامية قبل الغزو.
هذا بالنسبة لأهل غزة، أما خارجها فينقسم العرب العراة الى فريقين. عراة يخجلون من عجزهم يريدون وقف القتل لذا صاروا هدفا للشتم والتشهير. يعترفون بحقيقة عجزهم، لذا يستجدون حماس ان تقبل بالتهدئة لان القتل من جانب واحد. اما العرب العراة الذين لم «يختشوا» نراهم يطبلون للحرب عن بعد، يصبون المزيد من الزيت على نارها دون رحمة للفلسطينيين، يرقصون لمعركة غير متكافئة، في الواقع تعد اقل معارك التاريخ الحديث تكافؤا.
طبالو الحرب، من أتباع ايران، مثل حزب الله، هم الذين يطالبون بترحيل الفلسطينيين او الحجر عليهم في لبنان. والفلسطينيون في لبنان مأساة مستمرة أعظم من غزة، حيث يحجر على نحو ربع مليون منهم فتحظر عليهم الحياة العادية، يمنعون من العمل والتنقل، وتغلق عليهم مخيماتهم كالبهائم، بل والله أسوأ منها حالا. هؤلاء يبررون محاصرتهم للفلسطينيين بانهم يخافون ان يتم توطينهم، فيمنعونهم من الخروج حتى لا يختل التوازن الديموغرافي بين السنة والشيعة والمسيحيين!
وهناك طبالو الحرب من أتباع ايران في العراق، مثل التيار الصدري، الذي سيّر مظاهرات عارمة في شوارع بغداد تضامنا مع المحاصرين في غزة، حاملين يافطات ضد المعتدين الاسرائيليين، إحداها تقول «قتل كلب جريمة تغتفر، وقتل شعب مسألة فيها نظر». كلام صحيح لكنه ينطبق عليهم أيضا. فالذي قد لا يعرفه كثيرون أن غلاة الصدريين هم الذين طردوا آلاف الفلسطينيين من بيوتهم في بغداد منذ أشهر فقط، وشردوهم في صحاري العراق حتى حوصروا على الحدود مع سورية، وهم اليوم بأطفالهم ونسائهم يعيشون في خيام لا تقي من برد، ينتطرون كل صباح معونات المحسنين.
هل يستأهل من يرتكب مثل هذه الجرائم بحق الفلسطينيين كل يوم أن نقبل منه ان يعظنا في الوطنية والعروبة والإسلام والأخلاق؟
هؤلاء يريدون ان تسفك دماء الفلسطينيين في حروب عبثية لأغراضهم السياسية، الايرانيون يريدون معارك عرب حتى يساوموا بها على النفوذ في لبنان والعراق والخليج. والاخوة في سورية، الذين يديرون حماس من دمشق، يريدون تقوية مركزهم التفاوضي بالتحكم في حماس، صواريخَ ومواقفَ سياسية.
في دمشق يعيّرون المصريين بإغلاق المعابر، ويريدون منهم المخاطرة بمواجهة عسكرية اسرائيلية، في حين انهم يرفضون فتح معابر الجولان خشية من اسرائيل.
«اللي ما اختشوا»، هم الناس الذين يمارسون حبس الفلسطينيين في لبنان، وتشريد الفلسطينيين في الصحراء العراقية، ومنع المرور من الجولان. فريق «اللي ما اختشوا» يتسيّدون اليوم الساحة رافعين رؤوسهم كالأبطال، قارعين عن بعد طبول الحرب في غزة.
اما الفريق الآخر، مثل مصر والسعودية والاردن، وغيرهم من الذين «اختشوا» يعرفون انهم عاجزون، ويعترفون به، هؤلاء على الاقل يرفضون تزوير البطولات والمتاجرة بهم كما تفعل ايران. ويحاولون جهدهم تقديم ما تيسر من مساعدات سياسية وإنسانية.