[color=black][center]وصلتنى عدة رسائل تطرح سؤالاً عجيباً، عندما كتبت عن علاقة الفكر الإخوانى بالشيعة: اعترض عليك مكتب الإرشاد.. فهل هذا بداية صدام بينك وبينهم؟ وأجبت بالآتى:
هذا غير وارد فكما قلت من قبل أنا سطر فى موسوعة اسمها الإخوان المسلمون، وفهم قرارات مكتب الإرشاد الذى يرأسه المرشد تعتبر انعكاساً والتزاماً لكل من ينتمى إلى هذه الجماعة، ولا يعنى هذا ألا يختلف رأيى أو رأى أى من الإخوان مع رأى أى من أعضاء مكتب الإرشاد كل على حدة وأكرر على حدة، فمن اعترض كان واحداً فهم رجال ونحن رجال، وقواعد الإخوان فيها إمكانيات مهولة من العلم والفقه والخبرة فى كل الميادين، ليس من الحكمة أن تشّل أو ُتخرس أو يزايد عليها باسم الموقع ولكن ممكن أن توجهها القيادة، وعندما أقول القيادة فإننى أعنى مكتب الإرشاد الذى يرأسه المرشد وليس كل عضو بمفرده.
وأقول لمن لم يفهم ومن لا يريد أن يفهم بعد أن أصحح حتى اتهم بالتنظير، إن خريطة فكر الإخوان المسلمين وحدود علاقاتهم العقائدية والسياسية بالشيعة تغلب عليها التضاريس التاريخية أكثر من الموانع الجغرافية، باعتبار أن أصحاب المذاهب الشيعية نبتوا وعاشوا داخل المحيط الجغرافى للأمة الإسلامية ولم يأتوا من خارجه، ومن المستقر فى فكر الإخوان الذى ربيت عليه أن القدوس المقدس هو الله سبحانه وتعالى وبإرساله الوحى على سيدنا رسول الله فقد أضفى عليه من قداسته،
أما ما عدا ذلك من أبناء آدم ومخلوقات الله بشراً كانوا أو غير ذلك فلا قداسة لهم، وحتى الخلفاء الراشدون تباينت آراؤهم ولم ينزهوا عن الخطأ، ومن المستقر أيضا فى الفكر الذى ربيت عليه فى صفوف الإخوان أن على كرم الله وجهه كان أصلح وأتقى من معاوية الذى اغتصب الخلافة، ثم حول المسلمين إلى أدوات له ثم مّلكهم لذريته الفاسدة وهذا تاريخ ثابت لم يؤرخه الإخوان، ومن المستقر أيضاً فى الفكر الذى ربيت عليه أن الفقه بذاته وبما يحويه من الاختلافات الفقهية بين المذاهب صناعة بشرية، وهذا الاستقرار الفكرى يلزم احترام الأئمة الذين تصدوا لهذه الصناعة.
ومن المستقر كذلك فى الفكر الذى ربيت عليه أن باب الاجتهاد لم ولن يغلق ويجب أن يظل على مصراعيه إلى يوم الدين، وأن اجتهادات الأئمة والفقهاء فى ظروف تاريخية معينة فرضت فتاوى وتفسيرات ارتبطت بوقتها ولا يجب تعميمها أو استمراريتها، وأهم الأمثلة على ذلك آراء ابن تيمية وابن القيم فى طاعة ولى الأمر التى أصبحت سيفا يستعمله الطغاة مغتصبو الحكم بتنصيب أنفسهم أولياء لأمر المسلمين هم وذرياتهم من بعدهم.
ومن الأراء والفتاوى المرفوضة فى الفكر الإخوانى ما قيل عن تزمت وتعنت وضيق أفق الشيعة، ونعتهم بالرافضة، وتأليف طوفان من الكتب التى تقول ما ليس فيهم، حتى ظن عامة أهل السنة أن ماجاء فيها من افتراءات وكذب ومبالغة فى التزييف والاختلاق هو حقائق ثابتة والواقع، أن كاتبها وناشرها إما موتور أو مفتون أو جاهل أو إمّعة أو سياسى منتفع باع دينه ليرضى السلطان.
ومن المرفوض أيضاً فى الفكر الإخوانى ما تخطت به الشيعة الاثنى عشرية إلى الوقيعة فى زوجة رسول الله وفى كبار الصحابة طعنا وتكفيرا، وقد شهدت نصوص القرآن والأحاديث الصحيحة على عدالتهم والرضا عن جملتهم، حيث قال الله تعالى (لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة)، ومن المستقر فى الفكر الإخوانى أن الخلاف فى الفروع لايخرج من الملة، وأن المشكلة الشيعية أصلها خلاف على الولاية والإمامة وليست على قواعد الدين وأصوله أى أنها خلاف سياسى.
وحديثى هنا ليس عن فكر الغزو العقائدى الذى يقوم به من يسمون أنفسهم حاملى الفكر السلفى حيث تسميتهم بهذا الاسم تسمية مضللة فهم أصحاب الفكر القشرى المغالى الانتقائى لقد أجهدوا أنفسهم وفتحت لهم المجالات وأعطيت لهم المنابر والخزائن وطبعت لهم الكتب حتى يوقفوا تيار الإخوان المعتدل الذى كسح أمامه كل الأفكار المتزمتة والمتشعوذة والموجهة والمغالية سواء بسواء، وسار هؤلاء الغزاة كالقطيع فى خط سمى لهم خط التوحيد والعقيدة أولاً،
والواقع أن الإخوان سائرون لا على مظهر هذه التسمية لكن على مضمونها كما فصّلها الصالحون الأوائل من العلماء والأئمة الذين اهتموا بالجوهر وليس فقط بالمظهر وجمّعوا ولم يفرقوا وأسلموا ولم يكفروا واستقطبوا ولم ينفروا ويسروا ولم يعقدوا وأحبوا ولم يكرهوا وألانوا ولم يغلظوا.
أما من سطوا على التسمية فهم يمرون بمرحلة مراهقة دينية ليظهروا أن كلاً منهم قرأ وسمع بأسلوب استعرض به وعبس وبسر ولم يدرى أنه سمع ورأى وقرأ رأياً واحداً مكرراً ملأ عليه فكره حتى لم يتسع لمعلومة أخرى أو فكر مختلف أو حقائق غائبة وليته جاء بجديد ولكنه يردد صوت سيده الذى أخلى عقله وحشى محله بذور الكراهية والتزمت والفرقة والمغالاة والعمى الفكرى والتعالى بقشور العلم والمعرفة.
لقد انفعل هؤلاء وبدأوا برمى سهام ألسنتهم وأقلامهم عندما قلت إن الخلاف بيننا وبين الشيعة الاثنى عشرية هو خلاف فى الفروع وليس فى الأصول من الدين ولم يسأل أى منهم نفسه أو علمه أو ماذا قال السابقون واللاحقون من أئمة وفقهاء أهل السنة والجماعة ما هى الأصول وما هى الفروع قبل أن يعلق بعلمه الضحل.
لقد كانت كتابتى مركزة وتركت لمن أراد أن يتوسع أن يستفتى كتب الفقه والتاريخ لا كتب شيوخ السلطان المسيسة والمدنسة، ولا أن يجتر معلومات قاصرة تسمم عقيدته وتغير بوصلته، وقد قال أحدهم إننى واقع فى متاهة حسن الظن وعدم القدرة على الاستفادة من العلماء من الإخوان وغيرهم مثل الدكتور يوسف القرضاوى الذى كان يحسن الظن مثلى حتى كتب مقالاته النارية التى فضحت مخططات الشيعة فى العالم.
إن علاقتى بالدكتور القرضاوى واحترامى له وتقديرى لعلمه وسعة أفقه يعرفهم القاصى والدانى وهو من أهم الأئمة الذين اقتديت بآرائهم فى دينى ودنياى وحتى فى حياتى العائلية والاقتصادية ورغم ذلك من حقى أن أختلف معه وتكون لى وجهة نظر مختلفة فيما مارسته وخبرته ومن هذا موضوع الشيعة وإيران وهو يعلم هذا الذى لم يفسد الود والتقدير والمحبة، وهو نفس الدكتور القرضاوى الذى نهشت عرضه وعلمه، حشرات ضارة باسم السلف وتعبدوا بالهجوم الجاهل المضلل على علمه، وأعلمهم لم يقرأ لأكثر من مؤلفين أو ثلاثة،
وادعى العلم وزايد على جبال علم القرضاوى وحاول نطحها وارتد خائبا. لقد كررت أن ما قلته هو ما استقر عليه الفكر الذى ربيت عليه فى صفوف الإخوان ولم يلزم الإخوان أحداً بفكرهم، بل اتسع أفق فكرهم بتسامح مع من سار معهم وأراد أن يكون منهم، ولكن يريد أن يتقيد بتقاليد عشيرته وقومه مما يخالف ما استقر عليه فكرهم ولا يتعارض مع الشرع، وضربت على ذلك مثلا بحجاب المرأة، ولا أستطيع ـ
ولو تسامحت ـ أن أقبل أن يزايد أحد علىّ فى متابعاتى ومعلوماتى عن الشيعة بقراءته قشوراً من الكتب المسيسة أو سماع مناقشات مقيدة أو أقوال أو خطب مبتورة أو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الموجهة فأنا كنت مكلفا بملف إيران لحوالى ٣٠ عاماً منذ آخر ١٩٧٨ وقضيت أوقاتا كثيرة فى طهران، وقم، وكرمنشاه، ويزد، واصفهان، وبلوجستان، وخوزستان، وعبدان، وقابلت شيعة فى باكستان وأمريكا وإنجلترا والخليج والسعودية ومنهم السياسيون حتى أعلى الهرم الدينى والسياسى والوزراء والموظفون والتجار، وناقشت آيات الله، وآيات الله العظمى، وحضرت الحسينيات والعزاءات، بل أيضا محاضرات التوعية فى المعسكرات،
أما آخر ما قرأت من كتبهم مثلاً: أصول الكافى بجزءيه وفروعه الخمسة والصياغة الجديدة لآية الله الشيبانى، والفقه والسياسة للشيرازى، وولاية الفقيه للمنتظرى، والمراجعات للموسوى، وفقه المذاهب الخمسة لمحمد جواد مغنية وغيرها وغيرها، ومازالت المودة والأخوة الإسلامية التى نشأت بينى وبين الكثير منهم قائمة، ورغم أنى أعيش تحت الإقامة الجبرية منذ السابع من نوفمبر عام ٢٠٠١ حتى اليوم إلا أنى أتعهدهم السؤال دائما. ولذلك أقول إن الرؤية عندى تكونت عنهم بالعقل لا بالنقل ثم يأتى مراهق دينى ليسألنى: هل سمعت وهل قرأت؟!
أنا لم أزعم أن فيما قرأت أو قابلت أو عايشت لم أر أو أسمع أو اقرأ ما لا يتفق مع ما أومن به أو ما أعتقده أو ما هو من الغلو، ولكنى مُصر على القول إن التيار الغالب خلافنا معه هو فى الفروع وليس فى الأصول، وقبل أن يردد الببغاوات أقوالهم الضحلة وقبل أن يصنفوا المصطلحات الفقهيه بجهلهم به فليسألوا أهل العلم: ما الأصول وما الفروع؟ وليعرفوا أن الخلاف فى الفروع لا يخرج من الملّة ومن رمى بها باء بها.