وما يصنع هذا المقدار المعتدل والضروري من ضغط الدم داخل الشرايين، هو التفاعل من جهة بين القوة التي يندفع بها الدم من القلب، وبين مرونة جدران الشرايين نفسها وانقباضات وانبساطات الطبقات العضلية المغلفة للشرايين، من جهة أخرى.
والطبيعي أن ثمة تحكما للجهاز العصبي والهرموني لهذه العمليات المعنية بشأن صناعة قدر معتدل من ضغط الدم في الشرايين.
ثانياً: تمارين إيروبيك الهوائية
حينما يُقال «تمارين إيروبيك الهوائية»، فإن المقصود هو أمران. الأول، عمل أحدنا على رفع قدرة رئتيه على التنفس بعمق وبسرعة، وذلك لزيادة توفير كمية كبيرة من الأوكسجين في الدم.
والثاني، رفع قدرة القلب والأوعية الدموية على توصيل أكبر كمية ممكنة من الأوكسجين للأعضاء التي تحتاجه، أي إلى جميع أعضاء الجسم. وخلال التنفس يدخل الهواء إلى الرئة، ويتعرض فيها للشعيرات الدموية، التي بدورها تعمل على استخلاص الأوكسجين من الهواء وتحميله في هيموغلوبين كريات الدم الحمراء.
ودور القلب يتلخص في ضخ الدم إلى الرئة كي يتحمّل بالأوكسجين، وضخ الدم المُحمل بالأوكسجين، والقادم إليه من الرئة، إلى جميع أرجاء الجسم عبر قوة انقباض عضلة القلب وعبر توفر قدر معتدل من ضغط الدم.
ومن هنا نُدرك أن نجاح تزويد أعضاء الجسم بالكمية الكافية من الأوكسجين، يستلزم وجود رئتين تعملان بكفاءة، وقلب قوي قادر على استيعاب الدم القادم إليه وقادر على ضخه بالقوة اللازمة لإيصاله إلى أعضاء الجسم، وأوعية دموية مرنة وخالية من أي إعاقات في مجاريها وذات ضغط دموي معتدل.
ولتحقيق هذا نحتاج إلى تنشيط وتمرين الرئتين والقلب والأوعية الدموية، كي تكون لديها كفاءة عالية في القيام بعملية توصيل الأوكسجين للأعضاء المختلفة بالجسم.
والطريقة الأفضل والأسهل هو جعل حركة عضلات الجسم، المحفز الأساسي لتنشيط عمل الرئتين والقلب والأوعية الدموية.
والحركة المقصودة هي التي تكون متطلبة لاستهلاك الأوكسجين في إنتاج الطاقة اللازمة لحركة العضلات، أي حركة عضلية من النوع الهوائي، أو إيروبيك. أو بعبارة أخرى، حركية عضلية تفرض على الرئتين والقلب والأوعية الدموية، العمل على رفع كمية الأوكسجين في الدم والعمل على ضخه إلى أعضاء الجسم وتوصيله بكمية كافية.
ثالثاً: إيروبيك وضغط الدم
عندما يقوم أحدنا بأحد أنواع تمارين إيروبيك الرياضية، أي كالهرولة أو السباحة أو ركوب الدراجة الهوائية، فإن عليه أن يُراعي أمرين. الأول، أن يقوم بتلك الهرولة بالتدرج، أي أن لا يبدأ بسرعة في إجهاد عضلات الساقين والفخذين وبقية العضلات التي تتحرك أثناء الجري.
والثاني، أن يُراعي التدرج في رفع عدد نبضات القلب، ويُراعي الوصول بها إلى مقدار متوسط الارتفاع.
والسبب وراء مراعاة هذين الأمرين هو الحفاظ على حركة العضلات ضمن نوعية الحركات التي تتطلب الأوكسجين في إنتاج الطاقة اللازمة لإتمام الحركة.
ذلك أن الضغط على العضلات لكي تُنجز مجهوداً عضلياً كبيراً خلال وقت قصير من البدء في الحركة، ستستجيب له العضلة مجبورة عبر لجوئها إلى الطريق اللاهوائي، أو إيروبيك، في إنتاج الطاقة دونما استخدام للأوكسجين.
وللتقريب، فإن للإنسان أن يُهرول مثلاً لنصف ساعة في قطع حوالي أربعة كيلومترات، كما أن للإنسان أن يُهرول بسرعة وخلال ربع دقيقة لقطع مسافة مائة متر.
والفرق بين نوعي الهرولة، أن الجري السريع في سباقات قطع المائة متر، لا تستخدم العضلات فيها الأوكسجين، بل تُنتج طاقة عالية في بضعة ثوان عبر الطريق اللاهوائي لإتمام قطع تلك المسافة القصيرة خلال وقت قياسي إن أمكن.
بينما الهرولة المتدرجة في إجهادها للعضلات وفي تحريكها المعتدل لها، ستكون مريحة وعبر استخدام الأوكسجين في حرق السكريات لإنتاج الطاقة اللازمة لتحريك العضلات.
ولذا فإن القيام بتمارين إيروبيك الهوائية بطريقة متدرجة، وبمقدار لا يُجهد القلب بشدة، سيُؤدي إلى إعطاء الفرصة الكافية لتنشيط الرئتين ولتنشيط القلب ولتنشيط الأوعية الدموية.
وخلال هذه التمارين، وبهذه الصفة المعتدلة، ستكون ثمة فرصة لعمل القلب والأوعية الدموية على خفض مقدار ضغط الدم.
كم من الرياضة نحتاج لضبط ضغط الدم ؟
ان ممارسة الرياضة البدنية مضمار واسع جداً. وهناك أنواع من الممارسات الرياضية لا علاقة لها مباشرة بالصحة، مثل ممارسات الرياضيين المحترفين في الألعاب المختلفة، وهناك ممارسات يُقصد منها بلوغ درجات مفيدة من اللياقة البدنية الصحية.
وللتوضيح، حينما يُمارس أحدنا الرياضة البدنية لغايات تتعلق بالصحة، أي دون الغايات الترفيهية والاحترافية، فإنه ينوي أن يُمارس ما يُساعد على حفظ أعضاء جسمه سليمة من الأمراض، وما يُساعد على رفع قدراته على أداء المهام الحياتية، كالأسرية والاجتماعية والوظيفية وغيرها.
وما يحتاج أحدنا من «اللياقة البدنية» هو أربعة أنواع.
- الأول، لياقة حركة إيروبيك الهوائية.
- والثاني، لياقة العضلات في القوة والحركة والبناء.
- والثالث، لياقة المرونة والشد في العضلات والمفاصل.
- والرابع، لياقة حفظ توازن لبّ الجسم.
وصحيح أن لياقة العضلات ولياقة المرونة ولياقة التوازن مفيدة لعيش الإنسان في الحياة ولحمايته من الإصابات والحوادث، إلا أن ما يُفيد القلب والرئتين والأوعية الدموية ويُخفض مقدار ضغط الدم وكوليسترول الدم ويحمي من الإصابة بمرض السكري وأمراض السرطان وغيرها من الفوائد، هو تمارين إيروبيك الهوائية.
وتحديداً في جانب خفض ضغط الدم، لا يتطلب الأمر الاشتراك في ناد رياضي لممارسة تمارين الجيمنستيك للعضلات وحمل أوزان الحديد أو غير ذلك، بل المطلوب إدخال مقدار متوسط من الحركة العضلية على حياة الإنسان اليومية.
وأي نشاط بدني يُؤدي إلى رفع نبض القلب وعدد مرات التنفس، في الدقيقة الواحدة، يُعتبر من تمارين إيروبيك الهوائية.
ولذا فإن تمارين إيروبيك الهوائية ليست فقط الهرولة والسباحة وركوب الدراجة الهوائية، بل حتى صعود الدرج أو العمل في الحديقة والمزرعة لجزّ العشب أو قطع فروع الأشجار وتقليمها أو ترتيب وتنظيف المنزل وغيرها، هي كلها تمارين إيروبيك.
والهدف هو ممارسة حوالي نصف ساعة من النشاط البدني الهوائي خلال معظم أيام الأسبوع. أو ممارسة تلك الرياضة لمدة ربع ساعة، مرتين يومياً.
وثمة الكثير مما يُمكن به أن نُدخل تمارين إيروبيك في حياتنا اليومية، كالصعود باستخدام سلالم الدرج بدل استخدام المصعد الكهربائي، أو المشي أثناء العمل فيما بين المكاتب أو أثناء المكالمات الهاتفية أو في فرصة الراحة لتناول طعام الغداء.
عند البدء ببرنامج للرياضة .. مراجعة الطبيب واتباع وسائل السلامة
عادة، وعند الرغبة في البدء ببرنامج رياضي من التمارين الهوائية المعتدلة، لا يتطلب الأمر ضرورة مراجعة الطبيب.
ولكن في بعض الأحيان، قد يكون من الأفضل مراجعة الطبيب، وذلك قبل البدء ببرنامج رياضي صارم، وخاصة حينما يكون ثمة امور مثل:
عمر الإنسان قد تجاوز الخمسين، ولم يسبق للشخص أن مارس الرياضة بانتظام.
المُدخنين بشراهة لفترات طويلة.
منْ لديهم سُمنة مفرطة.