منارة الإسكندرية القديمة أو( فنار الإسكندرية ) هي واحدة من عجائب الدنيا السبعة.. وكانت تعد فيما مضى ثالث عجائب العالم القديم .
أقيمت المنارة في الجزء الشرقي من جزيرة فاروس (phare ).. وسميت باسمها ..وقد أصبح اسم جزيرة فاروس علما على اصطلاح المنارة أو الفنار في اللغات الأوربية .. ومنه اشتقت كلمة " فارولوجي " للدلالة على علم المنارات أوالفنارات.
يرجع تاريخ إنشاء منارة الإسكندرية إلى عام 280 ق.م ( القرن الثالث قبل الميلاد ) .. وكان الغرض من بنائها هو هداية البحارة عند سواحل مصر المنخفضة فقد كان النور المنبعث من النار الموضوعة في قاعدة المنارة ينعكس من المرايا النحاسية كضوء يتجه إلى المناطق المحيطة بالمنارة .
بدأ تشييدها في عصر بطليموس الأول وانتهى بناؤها في عصر بطلميوس الثاني .. وقد بناها المعماري والمهندس الإغريقي سوستراتوس.
بناء المنارة كان من الحجر الجيري أما الأعمدة فكان أغلبها من الجرانيت .. وقد حليت أجزاء من البناء بالرخام والبرونز.. ومما يذكر عن "المنارة" أنها كانت مبنية بالحجارة المنتظمة والمطلية بالرصاص على قناطر من الزجاج، وتلك القناطر على ظهر سرطان بحري.
ويقال أن جملة تكاليف البناء وقتها بلغت 8 آلاف تالنت (talent )(أي ما يعادل ربع مليون جنيه) .
كانت المنارة مكونة من أربعة طوابق .. وكان ارتفاعها مابين 120 متراً إلى 135 متراً
الطابق الأرضي من المنارة كان ارتفاعه حوالي 60 متراً .. وكان مربع الشكل وبه العديد من النوافذ وعدد من الحجرات يبلغ عددها 300 حجرة كانت مجهزة لسكن عمال تشغيل المنارة وأسرهم .. وكذلك لتخزين الآلات والأدوات الخاصة بالمنارة.. وينتهي هذا الطابق بسطح في جوانبه الأربعة تماثيل ضخمة من البرونز تمثل تريتون( triton)ابن نبتون ( Neptune )إله البحار .
ما الطابق الثاني فقد كان مثمن الأضلاع وارتفاعه نحو 30 متراً والطابق الثالث مستدير الشكل يعلوه قمة المنارة وبها مصباح كبير ( فانوس ) .. ( وهو مصدر الإضاءة في المنار ) وقد أقيم على ثماني أعمدة تحمل قبة فوقها تمثال يبلغ ارتفاعه حوالي سبعة أمتار .. ويرجح أنه كان لإله البحار والزلازل " بوسيدون ".
لم يتوصل المؤرخون على وجه الدقة إلى طريقة إضاءة هذا المصباح (الفانوس ) المرتفع جداً .. ويقال أن الصعود إلى المنارة والنزول منها كان يتم عن طريق سلم حلزوني .
كان يوجد في فناء المنارة آلة رافعة تعمل بنظام هيدروليكي كانت تستخدم في نقل الوقود ( الخشب ) إلى قمة المنارة حيث يوجد المصباح .. وقد ذكر الرحالة العربي ابن جبير .. أن ضوء المنارة كان يرى من على بعد 70 ميلاً في البحر. وعن طريقة نقل الوقود إلى أعلى المنارة هناك رأيان :
رأي يقول بأن الوقود كان ينقل عن طريق آلة رافعة تعمل بالنظام الهيدروليكي .
ورأي آخر يقول بان رفع الوقود الخشبي إلى مكان المصباح في الطابق الأخير كان يتم عن طريق الدواب .. فقد ذكر المؤرخ فوستر أن صفاً طويلا من الحمير كان في حركة دائبة ليل نهار صعوداً ونزولاً عبر منحدر حلزوني وهي تحمل على ظهرها الوقود الخشبي إلى أعلى المنار.
كان يوجد في قمة المنارة مرآة ضخمة كاسرة للأشعة تتيح رؤية السفن القادمة من بعيد قبل أن تتمكن العين المجردة من رؤيتها.. وهي أشبه بمنظار مكبر مما يدعو للظن بأن علماء الإسكندرية قد توصلوا الى العدسات في ذلك الوقت ..فمن المؤكد أن البناء قد زود بأحدث ما وصل إليه العلم وقتها .
وقد سقط المصباح وتحطمت المرآة في عام 700 ميلادية.. وبذلك فقدت المنارة وظيفتها منذ ذلك الوقت وقبل أن يدمرها الزلزال تماما في القرن الرابع عشر الميلادي
وصف المسعودي المنارة وصفاً دقيقاً .. وقدر ارتفاعها بنحو 230 ذراعاً .
ووصفها أيضاً أبو الحجاج يوسف بن محمد البلدي المالكي الأندلسي المعروف بابن الشيخ والذي زار الإسكندرية فيما بين عامي 1165م -1166من ضمن الجزء الثاني من كتابه " ألف-باء "وصفاً مفصلاً عن منارة الإسكندرية .. استخدمه بعض المؤرخين الأسبان في رسم صورة أقرب للحقيقة لما كانت عليه المنارة .
كما كتب عن المنارة أيضاً المهندس الألماني "تيرش "وما كانت عليه في كتاب ألفه في عام 1909م.
في عام 880م قام ابن طولون بترميم المنارة .. ثم رممت بعد ذلك في عام 980م.
في حوالي عام 1100م سقط الجزء المثمن الشكل أثر زلزال عنيف ولم يبقى من المنارة سوى الطابق الأول المربع الشكل والذي أصبح بمثابة نقطة مراقبة وشيد فوقه مسجد .
وفي عام 1303 في عهد الناصر محمد بن قلاوون حدث زلزال دمر حصون الإسكندرية وأسوارها .. وقد وصف المقريزي ما أصاب الإسكندرية من دمار .. وذكر أن ركن الدين بيبرس الجنشكير قد رمم المنارة 703
وقد كتب الرحالة العربي ابن بطوطة عند زيارته الثانية للإسكندرية عن المنارة بعد الزلزال الذي حدث لها بنصف قرن عام 1350م فقال :
” .. وقصدت المنار فوجدته قد استولى عليه الخراب بحيث لايمكن دخوله ولا الصعود إليه وكان الملك الناصر رحمه الله قد شرع في بناء منار بإزائه - أي بجواره – فعاقه الموت عن إتمامه " ..
فقد كان الزلزال الذي أصاب الإسكندرية قد أتى على المنارة وتبعثرت الأحجار المتخلفة عن سقوطه في الجزيرة وبذلك اختفت منارة الإسكندرية من الوجود في القرن الرابع عشر الميلادي .
في عام 1477م زار الإسكندرية السلطان الأشرف قايتباي.. وأمر ببناء حصن على أنقاض المنارة ( عند تهديد الأتراك بغزو مصر ).. وبالفعل أقيم هذا الحصن عام 1480م وهو ما عرف ببرج قايتباي ثم طابية قايتباي ثم قلعة قايتباي .. والتي لا تزال قائمة إلى اليوم .
وتقوم البعثة الأثرية الفرنسية بقيادة جان إيف امبرورالتي تنقب عن الآثار الغارقة في منطقة الميناء الشرقي والأنفوشي بجوار القلعة تقوم بالتنقيب عن آثار منارة الإسكندرية حيث يسعون للحصول على كتل حجرية تنتمي لأنقاض الفنار القديم .. ويبحثون عن لوحة تذكارية كانت في واجهة المنارة منحوتة بحروف يونانية ضخمة .
وهناك مشروع تحت الدراسة حالياً لإعادة المنارة إلى الوجود مرة أخرى مثلما أعيد إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة .