مراحل حياة أوباما تشكل سيرة من أكثر السير الذاتية اثارة في تاريخ الساسة الاميركيين، ولعله السياسي الوحيد الذي له اقارب في ثلاث قارات، في افريقيا وآسيا واميركا. ولد اوباما في الرابع من اغسطس عام 1961 في مدينة هنولولو (ولاية هاواي) ، والده هو باراك حسين اوباما ينحدر من قبيلة "لوا" الكينية، عمل في صغره راعياً للماعز في قريته ناينغوما، ثم تابع دراسته في كينيا، وانتقل الى اميركا في بعثة دراسية حيث التقي بوالدة اوباما آن دنهام في جامعة هاواي، حيث كانا يدرسان وكان عمر آن آنذاك 18 سنة فقط، وهي تتحدر من ولاية كنساس. بعد فترة قصيرة من ميلاد باراك انفصل الزوجان وكان عمره سنتين. ويقول اوباما عن والده الذي توفي في حادثة سيارة في كينيا عام 1982، بانه "كان مثالياً مات وفي نفسه مرارة عميقة".
انتقل الاب الى جامعة هارفارد، وترك الطفل في حضن الام التي تزوجت المهندس الاندونيسي لولو سويترو، وانتقلت معه الى اندونيسيا عام 1967 ومعهما باراك، حيث دخل مدرسة اسلامية في جاكارتا حتى بلغ من العمر عشر سنوات، وهناك تعرف عن كثب على فقر العالم الثالث، عاد بعدها اوباما الى هونولولو ليتربى في كنف جده وجدته من أمه، وتابع دراسته هناك حتى نهاية المرحلة الثانوية عام 1979.في المدرسة الثانوية كان احد أعضاء هيئة تحرير صحيفة المدرسة، كما لعب كرة السلة، وعرف اوباما في المدرسة بمشاركته الفعالة في نقاشات كانت تدور وسط الطلاب، وكان يلتقي اسبوعياً مع مجموعة من زملائه من الطلاب السود في مكان اصبح يعرف باسم "الركن العرقي". يقول توني بيترسون احد الذين شاركوه في تلك اللقاءات "مرة قال اوباما اثناء تلك المناقشات ... هل تعتقدون باحتمال ان نرى رئيساً أسود في حياتنا؟". لم يستعمل اوباما قط النزعة العرقية التي يستعملها السياسيون السود لاستمالة ابناء جلدتهم ، لذلك يقول بعضهم إنه ليس أسود بما فيه الكفاية.
انتقل اوباما بعد ذلك الى لوس انجلوس ليدرس في كلية "اوكستندال" ثم بعدها الى جامعة كولومبيا في نيويورك، وتخرج من هناك عام 1983، وخلال هذه الفترة عاش اوباما حياة مضطربة الى حد ما، واصبح يعاني كما قال من "مشكلة هوية"، واندفع في إطار بحثه عن نفسه الى تعاطي المخدرات. يقول اوباما "اردت من خلال تعاطي المارخوانا والكوكايين ان اطرد اسئلة حول من أكون أنا خارج تفكيري".
وعمل هناك في مؤسسة "بزنيس انترناشونال كوربريشن"، وبعد اربع سنوات في نيويورك انتقل الى مدينته الحالية شيكاغو، وهي تتشابه مع نيويورك في خاصيتين: توجد بها مجموعة كبيرة من الاميركيين الافارقة، كما ان بها ناطحات وأبراج معمارية مماثلة لناطحات السحاب في نيويورك.
عندما وصل أوباما الى شيكاغو عام 1985 عمل كادراً في تنظيم وتعبئة المجتمعات المحلية براتب شهري متواضع قدره عشرة آلاف دولار سنوياً فقط، وكان يستعمل سيارة هوندا صغيرة الحجم في تنقلاته.
كان يحمل خارطة للمدينة بعد أن وجد وظيفة، كما كان يحمل افكاراً مثالية وطموحات بلا حدود لخدمة الفقراء، وكان أقصى طموحه آنذاك ان يصبح كاتباً، وقد كتب بالفعل في وقت لاحق كتابين "احلام من أبي" و"جرأة الأمل". في تلك الفترة كتب ايضا بعض القصص القصيرة وعرضها على احد زملائه الذي قال "لم أعرف كيف استطاع التقاط مشاعر الناس وانفعالاتهم في الشارع".
وخلال هذه الفترة تعلم أوباما شيئين: ان يصغي جيداً ويتعلم بسرعة، وكان يحلو له ان يتحدث عن "التغيير الاجتماعي". عمل اوباما كادراً في التنظيم والتعبئة من 1985 الى 1988، وأصبح ناشطاً اجتماعياً "يرى نفسه في الآخرين".
في صيف ذلك العام سافر الى اوروبا حيث امضي ثلاثة اسابيع، ثم زار بلده الاصلي كينيا والتقى لاول مرة ببعض اقاربه. وفي تلك السنة دخل مدرسة هارفارد للقانون، وفي عام 1990 كان أول اسود يترأس تحرير مجلة هارفارد للقانون، وهي المجلة التي تحظى بسمعة مهنية رفيعة في اميركا.
تخرج في هارفارد عام 1991، ويتذكر زملاؤه في هارفارد بأنه كان مثقفاً ناضجاً له قدرات جيدة على تقييم الامور، كما ان له نزعة توفيقية من خلال قدرته على تأمل الاشياء من جميع جوانبها.
حين عاد مجدداً الى شيكاغو في عام 1995 أصدر كتابه "أحلام من أبي"، ثم انخرط في حملة لتسجيل الاميركيين الافارقة في لوائح الانتخابات، وعمل في شركة استشارات قانونية، متخصصاً في قضايا التمييز، وحقوق التصويت، كما ظل يدافع عن صغار الزبائن الذين يرتكبون جنحاً بسيطة، كما اشتغل في تدريس القانون في جامعة شيكاغو، الى حين انتخابه سيناتوراً في الكونغرس عام 2004.
بزغ نجم اوباما سياسياً، عندما كان المتحدث الرئيسي في مؤتمر الحزب الديمقراطي في بوسطن في يوليو عام 2004، وهو الخطاب الذي دعا فيه الاميركيين لتحقيق وحدتهم عبر التنوع. وقال في ذلك الخطاب جملته الشهيرة "لا يوجد ليبراليون اميركيون أو محافظون اميركيون، بل توجد الولايات المتحدة الاميركية"، ومنذ تلك الليلة قال بعض السياسيين والمعلقين إن اوباما من الممكن ان يكون أحد المتسابقين نحو البيت الابيض. ثم خاض انتخابات الكونغرس في نوفمبر عام 2004، حيث حقق فوزاً كاسحاً، ونال ما نسبته 70 بالمائة من الاصوات.
عندما طرح عليه السؤال بعد فترة وجيزة من أداء مبهر في الكونغرس، حول ما إذا كان سيترشح للانتخابات الرئاسية، كان جوابه إن الامر ليس وارداً ضمن خططه المستقبلية، لكنه عدل بعد ذلك من موقفه، ليعلن في فبراير عام 2007 في خطاب مدوٍ خارج قاعة "اولد كابيتول" في مدينة سبرينغفيلد في ولاية الينوي، عن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية، وطرح شعاره "التغيير الذي يمكننا أن نؤمن به". واستطاع ان يجمع خلال حملة التبرعات مبلغاً خرافياً، بلغ 265 مليون دولار لم يسبق ان جمعها مرشح خلال الانتخابات التمهيدية، وكان الملفت ان هذه التبرعات جاءت من حوالي مليون ونصف المليون متبرع من محدوي الدخل. ومنذ الشهر الماضي وحتى قبل أن تنتهي الانتخابات التمهيدية للحسم في مرشح الحزب الديمقراطي، اصبح البعض يخاطبه "السيد الرئيس".
يوجد نوعان من القادة:
الذين يريدون أن يكونوا شيئاً ما،
والذين يريدون أن يفعلوا شيئاً ما.