كنت في بداية العدوان الهمجي الغاشم من الكيان الصهيوني، على مدينة (غزة) الجرح الغائر في وجه الكرامة العربية، و ما تبعها بعد ذلك من مهازل لم تنسى ولن تنسى على الإطلاق في ساحات بلاد العرب الإعلامية والسياسية، من تهجمهات و مهاترات و سخافات لايحتملها و لا يصدقها عقل بشري عاقل موحد لله سبحانه و تعالى، كنت اعتقد بان ما يحدث هو عملية عسكرية سياسية معقدة بين (امريكا) و (إسرائيل)..
فلقد كنت اضع في حساباتي للسيناريو المطلوب، هو ان يلغى دور (مصر) الإقليمي، و تتصاعد امامه قوى الخليج (السعودية و قطر و الكويت)، و قوى الشام (حزب الله و سوريا و حماس) و هم حلفاء (إيران) الأعزاء في المنطقة، و بالتالي مع تزايد الإتجاه الشيعي في المنطقة، وتقدمه للأماما في هدوء جنبا إلى جنب مع الإتجاه السني بشكل مفاجيء على الرغم من صراعهم الدائم و العنيف في (العراق) الشقيق ، يشتعل الصراع بين القوتين في غياب الدور الإقليمي الهام (لمصر)، و يزداد الصراع ليصل إلى درجات متفاوته من الإتهامات و الهجمات الإعلامية و السياسية بين القوتين، فقوى الخليج حليف شرعي إستراتيجي ل(امريكا)، و قوى الشام حلفاء ل(إيران) عدو (امريكا) الأخطر في الوقت الحالي...
و من هنا يتصاعد الخطر المبرر لإستخدام القوى العسكرية الأمريكية في المنطقة، بحجة تخليصها من الإتجاهات و التيارات المناهضة لما تسميه بالإرهاب، فبالتالي يصبح امام (امريكا) و حلفائها، مببرات منطقية لتوجيه ضربة عسكرية محكمة لكل من (سوريا و إيران)، وترك جبهة القتال مع (حزب الله) معزولا عن الحليف الإيراني كفريسة سهلة و لقمة سائغة ل(إسرائيل)، بعد سيناريو تصفية كاملة لحركات و فصائل المقاومة الفلسطينية و على راسها (حماس) صاحبة اعلى تأييد برلماني على ارض (فلسطين)...
كان هذا ماهو يدور في فلك خيالي المتواضع، و ما استطعت ان أقرأه مابين السطور، خطة تبدو في تنفيذ اهدافها معقدة على الرغم من بساطة عناصرها، تقييد الدور المصري و إنخفاض كل معدلات القوى السياسية المصري في المنطقة، ثم القضاء بسهولة و يسر على اقوى و اهم حركات المقاومة بفعل جرها لمعركة غير مستعده لها عسكريا، ثم إندفاع الحلفاء او (دفعهم) للمعركة فيقعوا في مصيدة المحظور التي يريدون الوقوع بها منذ بداية العدوان عبر ميكروفناتهم الرنانه، ثم يشتعل الخطر على مصالح (امريكا) و الغرب في الخليج، فيتخذ القرار و يتم تدمير الأهداف بمبررات قانونية بحته لآلة الحرب الأمريكية، ليصبح الجانب الشرقي كله تحت هيمنه و سيطرة (الولايات المتحدة الأمريكية) و الأبن الشرعي المدلل (إسرائيل)...
كان هذا السيناريو هو ما استطعت التوصل إليه بعقلي و بكل حواسي، و ظللت لأيام معدودة اقرا و أقرأ إحصائيات الخسائر الفلسطينية، و معدلات الهجمات الإعلامية الشرسة على (مصر) التي لم نرى مثلها من قبل، ثم تراجع الحلفاء المفاجيء امام العدو الصهيوني و على راسهم (حزب الله) على الرغم من ان اجواء بلاده مخترقة بفعل الطيران الإسرائيلي، وهو الذي انقلبت تصريحات قادته في وسط الأزمة ليقول بكل بساطة بانه لن يدخل المعركة طالما انه لا مساس بسيادته، ثم تنطلق فجأة الصواريخ في شمال إسرائيل، قادمة كما يقال من ناحية (حزب الله)، و كأن هناك عاملا مدفعا ل(حزب الله) دفع، ليدخل المعركة و تكتمل معها بقية فصول السيناريو في اللعبة...
ولكن فجأة كل شيء انقلب رأسا على عقب في راسي، بعد التوقيع على الإتفاقية الأمنية بين (إسرائيل و امريكا) الأخيرة...
ماذا لو ؟؟
أنه هدف (إسرائيلي - امريكي) مشترك منذ زمن بعيد جدا، هو وضع مبرر قانوني دولي لإيجاد اجهزة تجسس و مراقبة في منقطة البحر الأحمر و شبه جزيرة سيناء، حتى يتسنى تأمين تلك المنطقة للبوارج العسكرية الماره في قناة السويس، و أيضا وضع اساسيات ثابته و راسخه تكون مثل السد العالي امام اي تحرك عسكري مصري لو تولى الحكم نظام معادي للهيمنه الأمريكية...
و هدف إسرائيلي بحت ايضا ابعد من الهدف المشترك مع (امريكا)، فسيناء خاليا من التواجد العسكري المصري بفعل إتفاقية (كامب ديفيد)، و جميع قواعد مصر العسكرية بعيدة خلف قناة السويس في الضفة الغربية، و متمركزة على طول الجبهة الشرقية لمصر من البحر الأبيض المتوسط مرورا بقناة السويس نزولات حتى نهاية حدود مصر على ساحل البحر الأحمر...
وبالتالي فوضع تلك الإتفاقية، يسمح بطبيعة الحال التجسس الإسرائيلي المباشر و المطلوب، على تلك القواعد، ووضعها تحت المراقبة (ليل-نهار)، حيث يصبح الطريق سهلا و مفتوحا لضرب تلك القواعد التي تمثل كما يقول الأمريكيون (بط جالس)، حينما تحين الفرصة المطلوبة للتوسع العسكري الإسرائيلي الذي يحلم به كل صهيوني (من النيل للفرات)..
و بدأت الأوراق تنقلب من جديد امامي، فليس من المنطقي ان يكون السيناريو المخطط له من قبل الأمريكان و الإسرائيليون، بهذا الوضوح السهل السلس، و ليس من المنطقي ان يكون جدوله الزمني بهذة السرعة البحته..
نعم، و لماذا تلجأ (إسرائيل) فجأة لضرب (حماس) (على الرغم من وجود كل المؤشرات في الوقت السابق لوجود عملية عسكرية إسرائيلية ضد القطاع)، و هي موضوعة فعليا تحت الحصار في قطاع غزة و اي ان كانت المؤن التي تملكها، فهي لن تستطيع البقاء على خط القتال متوازنتا مع الجيش الإسرائيلي الأجهز و الأكثر تسليحها ؟؟
ثم ان الفصائل الفلسطينية فعليا في حالة إنقسام على شفى حافة هاوية العداء، و بالتالي فهم يحتاجون للوقت كي يستطيع قادة (إسرائيل) التخلص منهم نهائيا بفعل هذا الإنقسام...
و لماذا بعد تراجع (حزب الله) عن الدخول في معركة مع الكيان الصهيوني، اطلقت فجأة صواريخه ؟
و لماذا تغامر (امريكا) و (إسرائيل) بوضع كلاهما في موقف محرج دوليا و مهين إنسانيا، امام كل دول العالم و هم يشاركون في جريمة علنية وواضحة امام الراي العام الدولي، على الرغم من مدى السيطرة الصهيونية على الإعلام الدولي ؟؟؟
و لماذا إنفجرت اطراف هنا و هناك هاجمت (مصر) و تهجمت عليها تاركتا امر التمويل لما يعبر من مؤن في قطاع (غزة)، ل(مصر) صاحبة اعلى تمويل للمؤن الداخلة للمعبر دونا عن كل العرب، ليصبح صوت (مصر) الوحيد و الساعي لحل الأزمة دبلوماسيا، دور وحيدا هزيلا لا يحظى باي تاييد ولا إقتناع، إلا لو بالقبول الأمريكي الإسرائيلي المشروط ؟؟
و بالتالي فتصفية (حماس) قد تكون في هذة الحالة وسيلة وليس هدفا، و توريط (حزب الله) في حرب يستهدف منها تدمير البنية التحتيه من جديد ل(لبنان) و سيلة و ليست هدفا، و المغامرة بالشكل العام الدولي ل(إسرائيل) و (امريكا) هنا غطاء إستراتيجي محنك و محكم، و هجمات و تهجمات الأطراف العربية على (مصر) تمويه مجاني للعدو مذهل، يضع الدور المصري الدبلوماسي لحل الأزمة في ...
و الآن فالسيناريو القادم بكل بساطة لم يختلف و لم يتوقف تنفيذه لأنه من الأصل لم يبدأ بعد، و لن يبدأ ابدا في هذا الوقت، و ليس وسط ما يحدث من غضب شعبي عربي، كفيل تفجير جحيم من الثورة امام اي تحرك عسكري امريكي، في المنطقة، ولكن السيناريو بدأ تنفيذ الخطة الممهدة له و الواضعة لأساسيات تنفيذه من خلال الإتفاقية الأمنية الجبرية، التي تفرض على (مصر) فرضا، بفعل تحركها الفردي الوحيد الناتج من تصاعد التكتل الإقليمي العربي امامها...
ان كل ماحدث من مجازر يدمى لها الضمير الإنساني، لم يكن اكثر من مجرد وسيلة لفخ محكم وقع فيه العرب بأجمعهم، بداية من (مصر) التي سبق و قلت بأنها وقعت في فخ سياسي ساذج كان من الغير مقبول الوقوع به من البداية، من خلال الإكتفاء بإستخدام الطرق الدبلوماسية قبل حدوث الكارثة، بينما كان يجب ان تضح (مصر) (إسرائيل) في ركن مغلق محاصر، بكشف نوايها للمجتمع الدولي و وضعها في مأزق سياسي حرج يجعل من حربها عمل إجرامي مكشوف بالعين المجردة لكل اطراف المجتمع الدولي، و يكون قد تم تبرأة الدور المصري الإقليمي في المنطقة، بينما العرب وقعوا في الخطأ الساذج الأكبر حينما تسابقوا على إتهام مصر للتقليل من دورها و قنواتها الدبلوماسية مع (إسرائيل)، فخسروا جسرا غير مباشرا للتفاهم و التباحث مع الكيان الصهيوني، ووضعوا انفسهم ومن خلفهم الأمة بأكملها في مصيدة الفأر الحبيس، بين مطرقة الهيمنة الصهيونية الأمريكية، و سندان التيار الشيعي الإيراني في المنطقة...
بقيت كلمة هامة لابد و ان اذكرها للجميع..
السياسة و الحرب كلاهما لعبة (المكر و الدهاء)، فلا القوى المفرطة تنجح ولا زعامة الميكروفنات تنتصر، فمن ينتصر في النهاية هو (العقل) و من يملك مفتاح النصر هو (الفكر)، و (امريكا و إسرائيل) قوة بعقل و فكر، و العرب مهما ان بلغ ضعفهم فهم مازالو قوة ضخمة و لكن غاشمه بلا (عقل) ولا (فكر)...
منقول