ولكن المدهش ، فى كل الحالات ، هو أن الإنسان لا يدرك قط أنه بلغ ذروته ..
الشخص يمكن أن ينجح ، ويواصل النجاح والتقدم ، ولكنه لا يدرك قط أنه قد تجاوز كل الحواجز ،وبلغ ذروة لم يبلغها سواه ...
ربما يشعر الآخرون بهذا ، أما هو ، فينشغل بنجاحه عن إدراك ذروته ..
ثم تبدأ الذورة فى الإنحسار ..
ويدرك المرء أين كان بالضبط قبل هذا ..
هذا يحدث أيضاً فى كل الأحيان ، وبالذات فى الحب ؟؟
وبلوغ ذروة الحب أمر لايدركه العديد من المحبين ، إذ أنه من الطبيعى أن تتدرج المشاعر ، من الود ، إلى الإعجاب ، إلى الإنبهار ، إلى الحب ..
ثم يتطور الحب ..
ويتطور ..
ويتطور ..
وإذا ما كان الحب متبادلاً بين الطرفين ، فسيبلغان ذروته ، دون حتى أن ينتبها إلى ذلك ..
وذروة الحب أمر جميل ..
بل لاهو أجمل ما فى العلاقات الإنسانية كلها ..
فمع ذروة الحب ، يتوقف الطرفان عن التعامل من منظور فردى ، ويبدآن الإنتقال إلى المعيار المزدوج ..
كل شئ أصبح يرتبط بهما معاً ، وليس بأحدهما دون الآخر .. كل شئ ..
العواطف ..
المشاعر ..
والأحاسيس ..
وحتى الأحلام ..
أفكارهما نفسها تحويهما معاً ، فلا أحد منهما يتخيل حياته من دون الآخر ، ولا يرى مستقبله إلا معه ..
الوجبة الواحدة لا يصبح لها مذاق ، إلا إذا تناولاها معاً ..
الحلم يكمله أحدهما لالاآخر ..
ورويداً رويداً ، تمتزج روحاهما ، ويصبحان أشبه بشطرى المخ ، لا يمكن أن يعمل أحدهما دون الآخر ، وإلا أصيب الجسد بشلل كبير ..
ومع الحب ، تمتزج الأهداف والنوايا ، وتتقارب الأفكار والطموحات ، وتصبح سعادة أحد الطرفين هى الهدف الأسمى للطرف الآخر ..
حتى الألم ، يتحول إلى لذة ، لو أن ثمنه هو إبتسامة سعادة ، أو نظرة حب ، لدى الطرف الثانى ..
عندئذ يكون الإثنان قد بلغا الذروة ..
ولكنهما لن يدركا هذا ..
لن يدركاه حتى تحدث الرجَّة ..
ومن المؤسف أنها تحدث دوماً ..
الإنسان داخله شيطان ما ، يتوتر إذا مابلغ ذروة السعادة ، فيبدأ فى نبش كل خلية من خلايا المخ ، فى محاولة لإيقاظ لمحة ما ، إية لمحة ، يمكن أن تفسد الهناء ..
والعجيب أنه ينجح فى كل الأحوال ..
ربما لأن النفس البشرية ضعيفة ، أو أنها أمَّارة بالسوء
ففى ذروة الحب ، لابد وأن يبدأ الطرفين فى التمرُّد ، على نحو أو آخر ..
والبداية تكون دوماً من رفض الإزدواجية ..
فى مرحلة ما ، لايمكن تحديدها قط ، يبدأ ذلك الشقُّ الصغير فى التكوُّن ، وسط العلاقة الإزدواجية الجميلة ..
شق يبدأ أصغر من أن يلفت الإنتباه ، أو من أن يتوقف عنده أحد ..
وربما نشأ من موقف ..
أو حدث ..
أو حتى كلمة قيلت ..
المهم أن شيطان الفساد يتلقى هذا ، ويضخمه ، ويضيف إليه عشرات الأحداث الصغيرة ، عبر علاقة طويلة ..
وهنا يتسع الشق ..
ويتسع ..
ويتسع ..
وفى لحظة ما ، تتهاوى الإزدواجية ، وتعود الفردية للسيطرة ..
كل طرف من الطرفين يبدأ الحديث عن نفسه ..
عن مشاعره ، وأحاسيسه ، وعذاباته ، وآلامه ..
عن كل ماتحمله ، لتستمر العلاقة ..
وكل شخص يفكر فى نفسه فقط ، دون الآخر ..
ومع التفكير والفردية ، تبدأ مرحلة التحدى ، والرغبة فى إثبات الذات ..
ويتسع الشق أكثر ، وأكثر ، ويتحول إلى هوة ساحقة ..
وربما يتدخل البعض ، أو حتى يجلس الطرفان للمناقشة ، وتحل المشكلة ، ويعود المحبان إلى بعضها البعض ..
ولكن ليس إلى الذروة ..
فالذروة قد ذهبت ..
وإلى الأبد ..
ما حدث بينهما سيظل دوماً أشبه بشرخ ما ، فى لوحٍ من الزجاج البلّورى النقى ..
صحيح أنه لن يؤدى إلى إنهيار الزجاج ، إلا أنه سيفقده نقاءه وشفافيته ..
وسيظل الشرخ مرئياً دوماً ..
يستحيل أن يعود لوح الزجاج إلى شفافيته الكاملة أبدً ..
وكذلك الذروة ..
إنها إما أن تكون ، أو لاتكون ..
وأبداً لا تعود ..
الوسيلة الوحيدة للحفاظ على ذروة الحب إذن ، هى ألا نفقدها إذا ما وصلنا إليها ..وهذا ليس بالأمر السهل ..
وليس بالمستحيل أيضاً ..
كل المطلوب منا هو أن نزيد مساحة الحب فى أعماقنا ، حتى تحتل القدر الأكبر من مشاعرنا ، فتنزاح إلى جوارها كل المشاعر والعواطف السلبية الأخرى ..
أن نثق فيمن نحب ..
فى مشاعره نحونا ..
نثق فى أن كل مايفعله هو بدافع الحب وحده ، وليس بأى دافع آخر ..
حتى لو أخطأ ، لابد أن ندرك ونثق فى انه لم يقصد هذا ولم يتعمَّده ، ولم يسع قط لإيذائنا ..
الحب هو الثقة ، والإقتناع ، والإيمان بحسن النوايا والمقاصد ..لو إفترضنا فقط حسن النية ، ستسير سفينة الحب فى بحر الحياة ، حتى لو إنقلبت ، أو هاجمتها العواصف ..
وفيها يثبت الحب وجوده ..
فالحب لا يبلغ ذروته ، لأن المحبين يتشاركان ساعات الفرح والسعادة والهناء فحسب ، ولكنه ينمو ويزدهر ، عنهدما يواجهان معاً المصاعب والعواصف ..
ولن نبالغ لو قلنا : إن الأزمات تصنع حباً يفوق ما تصنعه أيام السعادة والهناء .,.
بل تصنع ما هو أقوى من الحب ..
الثقة ..
والثقافة ..
وهدوء النفس ..
ولست أشك لحظة ، فى أن نصف من سيقرءون هذا المقال سيسخرون من كل كلمة جاءت فيه ، وسيؤكدون أن
الحب نفسه لم يعد موجوداً ، فما بالك بذروته !!
ثم إن بعضهم سيشكِّك فى نمو العواطف والمشاعر ، فى مثل هذا الزمن الصعب ..
زمن المادة ، كما يطلقون عليه ..
والواقع أننى أشعر بالكثير من الشفقة ، على من يفكرون بهذا الإسلبوب ، ومن حرموا أنفسهم من الشعور بأسمى عواطف البشرية ..
فالحب موجود دوماً ، مهما تعقدت الحياة ، أو زادت ماديتها ، بل إنه ينمو ويزدهر أكثر ، فى المجتمعات المغرقة فى المادية ، نظراً لأن الناس يكونون فيها أكثر حاجة إلى الحب ..
وإلى كل العواطف ..
كل ما فى الأمر ، هو أن البعض أصيب بحالة من جفاف المشاعر ، أو من عدوى القساوة ، مبرراً هذا بصعوبة المعيشة ، وضعف الإمكانيات ، أو غلظة تعامل الناس ، مع بعضهم البعض ..
ولست أظن الدنيا يعنيها هذا ..
فمهما كانت مشاعرنا وظروفنا ، وسبل عيشنا ، فسنحيا مرة واحدة لاغير..
مرة ينبغى أن نستمتع فيها بكل ما أحله لنا الله ( سبحانه وتعالى ) إذ من الجحود أن يمنحنا نعمته ( عز وجل ) ، فنتجاوز عنها لأى سبب كان .,.
وحتى لو كانت الحياة قاسية ، فلماذا لا نبحث فيها عن قبس من السعادة ..
لمحة من النور ..
همسة حب ..
لِمَ لا ؟ !
سل نفسك هذا السؤال ، وإبحث عن جوابه ، وتذكَّر أنك ستحيا مرة واحدة ..
وذروة واحدة ..
فى النجاح ..
والحياة ..
والحب ..
shemo عضو أسطـــــــــورة
عدد الرسائل : 6713 العمر : 34 البلد : مصر المزاج : الحمد لله نقاط : 7015 تاريخ التسجيل : 23/02/2009